عبدالرحمن الحبيب
«لا يمكنك أن تراقب فقط عندما تخشى أن يموت عدد كبير من الناس.. يجب بذل كل جهد لمنع حدوث ذلك. ولا يكفي الاعتقاد بأنه غير ممكن». هذا ما كتبه عالم الأوبئة بيت تول أحد مؤسسي وحدة مكافحة العدوى بالسويد، والذي عمل على القضاء على الجدري في بنغلاديش، مناشداً السلطات الصحية في بلاده ألا ترفع أيديها وأن تمنح العلم والتدابير الاحترازية فرصة.
فمع بداية وباء كورونا كانت استجابة السويد خفيفة، إذ سُمح بإبقاء دوام تلاميذ المدارس الأصغر سناً بالصفوف حتى المرحلة الإعدادية؛ فيما انتقل التعليم الثانوي وما بعد الثانوي إلى الإنترنت، وسمح للشركات والمطاعم وصالات الألعاب الرياضية بالبقاء مفتوحة مع التباعد، وقصر التجمعات العامة على 50 شخصًا أو أقل، وعدم إجبارية لبس الكمامات.. مع الأمل أن يطور السكان المناعة إلى مستوى كاف من المناعة الجماعية «مناعة القطيع»؛ لكن ما حدث أن السويد عالقة حالياً في موجة من الإصابات والوفيات المتزايدة.
كانت النتيجة فادحة كما تقول الكاتبة والناشطة كيلي بيوركلوند (مجلة فورين بولسي)، التي تذكر أنه بينما تصدرت دول مثل الولايات المتحدة والبرازيل والهند عناوين الأخبار لتسجيلها أكبر عدد من الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا، فإن معدل الوفيات في السويد الذي يزيد على 80 لكل مئة ألف شخص يعد من بين أعلى المعدلات في أوروبا ويبلغ نحو 10 أضعاف مثيله في النرويج وفنلندا، وأكثر من أربعة أضعاف الدنمارك. يرتفع عدد حالات دخول المستشفى هناك الآن بشكل أسرع من معظم البلدان الأوروبية، وتهتم السويد الآن بالمرضى في المستشفيات أكثر مما كانت عليه في ذروة الموجة الأولى. بحلول 21 ديسمبر، تجاوزت السويد الولايات المتحدة وجميع الدول الأوروبية الكبرى في معدل حالاتها المؤكدة اليومية لكل مليون. لقد خرجت الأمور عن السيطرة في السويد لدرجة أن النرويج المجاورة، لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وضعت قوات على الحدود لمنع السويديين من العبور.
كما خلص تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في 19 نوفمبر إلى أن السويد كانت الأسوأ بين 35 دولة أوروبية في مقاييس إدارة الفيروسات التاجية المتعددة بما في ذلك تقليل انتشار العدوى، وتقليل تنقل الأشخاص، وإخراج المرضى من وحدات العناية المركزة. في الواقع كان النهج السويدي لمواجهة الوباء مغرياً في البداية لكثير من البلدان في أوروبا وفي مقدمتها بريطانيا التي كادت تحتذي بها لولا دراسة أجرتها إمبريال كوليدج خلصت إلى ضرورة اتباع نهج العزل والحجر باعتبارها «الاستراتيجية الوحيدة القابلة للتطبيق في الوقت الحالي «لمنع مقتل ربع مليون بريطاني. إلا أن وكالة الصحة العامة السويدية وخبراء الصحة الاستشاريين قللوا من نتائج الدراسة وواصلوا السعي للحصول على مناعة القطيع. كما أن الولايات المتحدة، سعت في البداية إلى نهج عدم التدخل الذي تتبعه السويد بالتعامل مع الوباء لكنها عدلت عنه.
مع بداية الوباء في منتصف مارس اقترح بيت تول ثلاثة خيارات محتملة للتعامل مع الوباء.. الخيار الأول سيكون «وقف جميع الحركات والاتصالات لمدة أربعة أسابيع».. الخيار الآخر ما أوصت به منظمة الصحة العالمية، وهو إجراء اختبارات مكثفة وتتبع وحجر صحي للمرضى المصابين.. أو أن تتبع السويد خيارًا ثالثًا: «دع انتشار العدوى يحدث، ببطء أو بسرعة، لتحقيق مناعة افتراضية للقطيع.» لكن تول حذر: «هناك شيء واحد معروف أنه مع الخيار الثالث من المحتمل أن يكون للسويد الآلاف من الوفيات»، وخلص إلى أن «الخيار الثالث يبدو لي كاستراتيجية انهزامية وتائهة، وهو ما لم أكن لأقبله مطلقًا في دوري السابق».
كان المسؤولون الصحيون بالسويد يأملون بأن تتجنب بلادهم الموجة الثانية التي تعرضت لها أوروبا.. لكن لم ينجح الأمر بهذه الطريقة. إذ تواجه السويد زيادة في عدد الحالات والاستشفاء والوفيات. في الخامس من نوفمبر، وصلت البلاد إلى إحصائية قاتمة تبلغ 6000 حالة وفاة. في الأسابيع الستة التي تلت ذلك، مات ما يقرب من ألفين آخرين. في الأسبوع المنتهي في 18 ديسمبر، سجلت السويد 479 حالة وفاة جديدة، أكثر من النرويج خلال الوباء بأكمله (كيلي بيوركلوند). فعلى عكس توقعات المسؤولين السويديين، فإن السعي وراء مناعة القطيع لم يتحقق ولم يحم السويد من ويلات الموجة الثانية في الخريف الماضي؛ وقد أظهرت تقارير وكالة الصحة العامة الصادرة في يونيو أن مستوى الأشخاص المصابين بفيروس كورونا في جميع أنحاء البلاد يبلغ 7.1 في المائة، بعيدًا عن 60 - 75 في المائة التي يقول الخبراء إنها ضرورية.
وقال رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين في مؤتمر صحفي في 3 نوفمبر: «نحن نسير في الاتجاه الخاطئ.. الوضع خطير للغاية. كل مواطن يحتاج لتحمل المسؤولية.. نحن نعلم مدى خطورة هذا». ويقول يواكيم روكلوف، أستاذ علم الأوبئة والصحة العامة في جامعة أوميو، إن هناك أسباباً متعددة لهذا التغيير، بما في ذلك أن مناعة القطيع كما هو متوقع لم يتم الوصول إليها. وفقاً لروكلوف، فإن السياسات الأكثر تقييداً في البلدان المجاورة «عملت بشكل أفضل»، ولم يكن لها آثار اقتصادية ضارة كما كان يخشى (واشنطن بوست).