د. صالح بن حسين العواجي
تشرفت خلال سنوات الدراسات العليا (1987- 1990م) في بريطانيا بمزاملة والتعرف على نخبة متميزة من الطلاب المبتعثين، معظمهم من الجامعات السعودية، وقد عدنا إلى أرض الوطن، ثم واصل كل منهم العطاء في ميدان التعليم العالي أساتذة بالجامعات، وتبوأ بعضهم مسؤوليات قيادية في الأقسام والكليات والجامعات، وبعض الأجهزة الحكومية، وبعض الشركات، وكانت تجمعنا لقاءات متباعدة، كل مجموعة بحسب منطقتها، ثم استقر الأمر على أن يعقد لقاء للمجموعة بصفة دورية كل سنة بمنطقة من المناطق؛ الشرقية، والوسطى، والغربية، كون الأكثرية تتواجد بهذه المناطق. وتتولى المجموعة في المنطقة التي يعقد فيها اللقاء الترتيب لاستضافة القادمين من المناطق الأخرى لمدة يومين أو ثلاثة.
كان لقاء هذه السنة خلال الأسبوع الأخير من شهر يناير 2021م، وهو اللقاء الثالث الذي يرتب في المنطقة الوسطى، وقد رغب المشاركون عقده بمنطقة القصيم للتعرف عليها، كان التجمع واللقاء في مزرعة أحد الزملاء وهو الدكتور خالد الملاحي، ومن هناك نظمت جولات سياحية وزيارات ميدانية إلى المناطق المهمة وبعض محافظات منطقة القصيم، شملت زيارة متحف العقيلات وبعض المزارع النموذجية بالمنطقة، وقد كان لي شرف استضافة الزملاء الكرام بمحافظة الرس لبعض يوم، وشمل برنامج الزيارة جولة سياحية على بعض المعالم التاريخية والأثرية بالمحافظة وحولها، قمت خلالها بدور المرشد السياحي، وقد نالت الجولة استحسان وإعجاب الزوار.
وما لفت نظري في الأمر أني خلال القراءة من أجل التحضير لهذه الجولة تبين لي الثراء التاريخي لمنطقة القصيم بصفة عامة، ولمحافظة الرس بصفة خاصة، حيث يمتد من آخر الأحداث التي حصلت بالمنطقة خلال مرحلة تأسيس الدولة السعودية الثالثة، مروراً بحصار الرس المشهور أواخر عهد الدولة السعودية الأولى، ثم تتواصل الأحداث التاريخية عبر الماضي، خاصة ما عرف بأيام العرب من المعارك والوقائع والصراعات، حتى امتدت إلى ما يعرف بالعصر الجاهلي قبل البعثة النبوية.
وربما للطبيعة الجغرافية لمنطقة القصيم في مراعيها وأراضيها الخصبة الفسيحة المستوية، فقد كانت ميداناً لمعظم ما عرف بأيام العرب من الحروب والمعارك، التي من أشهرها يوم خزاز، ويوم عاقل، ويوم منعج، ويوم جبلة، ويوم داحس والغبراء، ويوم البسوس، ويوم البطاح، وغيرها الكثير من أيام العرب التي تبين أن معظمها وقع في دائرة لا يتجاوز قطرها مائتي كيلومتر، تقع في الجزء الجنوبي الغربي من منطقة القصيم، وربما تكون محافظة الرس قريبة من مركز هذه الدائرة، ولعله من المناسب أن تتولى الجهات المعنية بالسياحة، التعاون مع الجهات المعنية لتحديد المواقع الخاصة بأيام العرب، لا سيما أن معظمها معروف بمعالم جغرافية محددة، ثم تهيئة هذه المواقع وتطويرها لتصبح معالم سياحية يمكن أن تنظم إليها الجولات السياحية.
خلاصة القول، إن منطقة القصيم، وربما مثلها الكثير من مناطق بلادنا الغالية، غنية جداً بإرثها التاريخي فيما مضى، وتطورها الحضاري في الوقت الحالي، مما يؤهلها أن تصبح مناطق جذب مرغوبة للسائح، سواء كان من أبناء بلادنا الغالية، أو من الوافدين المقيمين، أو القادمين لغرض السياحة.