د. محمد عبدالله الخازم
وزير التعليم الأمريكي الجديد خريج جامعة حكومية عادية (الجامعات الحكومية الأمريكية تحظى بسمعة أدنى في التصنيفات)، تدرج في مجال التعليم بدءًا من مدرس بالمرحلة الابتدائية. وهو ليس دكتورًا من هارفارد أو ييل أو غيرها من ذوات السمعة والأسماء الرنانة.
هذا الأمر قادني للتأمل وطرح أسئلة حول مؤسستنا التعليمية، وهي مؤسسة ذات طبيعة خدمية فنية وليس سياسية، وكتابتنا عنها تأتي ضمن البحث عن الصالح العام ونقد الثقافات السائدة المعيقة للتطوير. أستخدم مصطلح الثقافة هنا باعتبار الأمر ليس طارئًا، وإنما يكاد يكتسب صفة الممارسة الشائعة والمستمرة على مدى سنوات ممتدة.
لماذا أستاذ جامعي وليس من تدرج في العمل واستوعب قضايا الميدان من خلال خبرة مهنية يتولى المناصب العليا في وزارة التعليم؟ بل لنذهب أكثر تحديدًا لنسأل: لماذا أصحاب أكبر خمسة مناصب في مؤسسة التعليم الجامعي يأتون من كلية واحدة، من جامعة واحدة، رغم وجود أكثر من 400 كلية بالمملكة يمكن الاختيار منها؟ لماذا أغلب وكلاء الوزارة وقياداتها ومديري الجامعات يأتون من جامعتين أو ثلاث أو أربع فقط؟ ما الذي يميزهم عن منسوبي خمسين جامعة تتوزع في أرجاء الوطن؟
قد يجيب أحدهم بأنها الخبرات بتلك الجامعات، لكن الحجة تسقط عندما يختار وكلاء وزارة خبراتهم سنوات قليلة، قد لا تصل حتى إلى رئاسة قسم بالجامعة (اللغة هنا تشمل المذكر والمؤنث)، وليس لديهم خبرات سابقة في طبيعة المنصب. لماذا نعتقد أن مجرد شهادة الدكتوراه تجعل الشخص قادرًا على العمل في أي منصب إداري دون خبرة قيادية، ودون خبرة في مجال وطبيعة العمل؟ لا نقلل من قيمة الأفراد، لكن نتطرق للظاهرة المتكررة، ويؤسفني القول إنني لا أرى خبرات خارقة أو ميزات أكثر من مجرد شهادة عليا، وبضع سنوات خدمة ليس فيها إبداع مختلف، يشفع باختيار بعض - مع التأكيد على عدم التعميم - الأشخاص للمناصب دون غيرهم. في اختيار المسؤول الإداري أو القيادي نحتاج إلى الخبرات التصاعدية، نوعًا وليس كمًّا، وليس الشهادات فقط. هناك خمسون ألف مواطن ومواطنة في الجامعات والمناطق التعليمية يحملون المؤهل نفسه، وكثير منهم له خبرات، فلِمَ يُحتكر الأمر في منسوبي جامعة أو جامعات محدودة؟
مع توجهات (الرقمنة) ستقترح بعض الوزارات منصات إلكترونية، لكن تذكَّروا أن المشكلة ليست في توافُر السير الذاتية إلكترونيًّا أو ورقيًّا، بل في الفكر والطريقة التي يتم من خلالها اختيار القيادات الوسطية في بعض الوزارات الكبرى. لا مانع في منح الفرص للبعض للتعلم واكتساب الخبرة في المناصب الصغرى، لكن المناصب العليا ليست مجالاً للتدريب الابتدائي، ويجب أن يصلها مَن اكتسب خبرات قيادية نوعية سابقة وإلا فإننا نقتل طموح الأكفاء المبدعين.
أخشى ضعف الأداء والتطوير في القطاعات التي تعتمد على قيادات ليست متمرسة في مجالها، كما يقلقني غياب الثراء الفكري؛ لذلك أطالب بالبحث عن المتميزين الذين أثبتوا وجودهم وفق آليات قياس محايدة وموضوعية وعلمية وشفافة، تتجاوز الانحياز نحو زملاء الدراسة أو العمل أو المهنة.