د.بكري معتوق عساس
حين كنت أمشي في ساحات المسجد الحرام عقب أحد المواسم اعترضني رجل كبير السن، قد انحنى ظهره، ورق عظمه، فقال لي: هل تعرف الإنجليزية؟ فقلت: نعم. فسألني أن أوصله إلى عنوان مكتوب عنده؛ فقمت بما يجب لمثله من ضيوف الرحمن. وبعد أن وصل سألني عن عملي، فأخبرته بأني أستاذ جامعي لمادة الإحصاء التطبيقي في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، فنظر إلى وقال: هل تعرف أستاذ الإحصاء التطبيقي والرياضي البروفيسور منير سيد أحمد؟ قلت له: وأي إحصائي لا يعرفه وهو العالِم المشهور، والباحث الكبير في مجال الإحصاء التطبيقي والرياضي بقسم الإحصاء وبحوث العمليات في جامعة كراتشي بباكستان؟ تبسم وقال لي: أنا منير أحمد!
تذكرت هذه القصة التي حدثت لي قبل أكثر من خمسة عشرين عامًا، فتذكرت قول الله تعالي: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}، وقوله سبحانه: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.
لقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه المدينة المباركة مهوى الأفئدة؛ يفدُ إليها الرؤساء والعلماء والفقهاء والكبراء والخبراء والمخترعون والتجار من كل أرجاء الدنيا.
قال الشاعر العراقي (ابن رشيد) في قصيدته:
نحج لبيت حجه الرسل قبلنا
لنشهد نفعاً في الكتاب وُعدناهُ
دعانا إليه الله عند بنائه
فقلنا له لبيك داع أجبناهُ
يطوفُ به الجاني فيغفر ذنبه
ويسقط عنه إثمه وخطاياهُ
إليه فؤاد المرء يشعر بالهنا
ولولاه ما كان الحجاز قصدناهُ