د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
إن امتلاك الرؤية والتفكير الإستراتيجي العميق حول صناعة الصحافة هو المفتتح الذي يجب أن ينطلق منه أي نقاش حول المؤسسات الصحفية ومنتجها وقوالب الإخراج والنشر الذي يجد ترحيباً ونفعاً من خلال الصحف الورقية وسواها مما استحدث في زمننا هذا؛ وإن تعددتْ القوالب فالصحف ما زالت صروح ملأى بحزم من تاريخنا الوطني حيث زخرت بالرؤى والمنجزات المشاهدة والطروحات حول المسيرة المحفزة لبلادنا في الحراك التنموي الشامل، وأن سلمّنا أن هناك أزمة محتوى في بعض ثنايا المسيرة الصحفية خاصة في عهدنا الحالي فلابد من طاولة نقاش تحمل إستراتيجية مختلفة لتطوير الفكر الصحفي؛ وترقية أساليب الطرح حيث المناداة بالتحول إلى الصحافة الرقمية لن تؤدي إلى تطوير المنتج الصحفي حتماً لاقتصار الرقمنة على القوالب التي تحمل المنتج للناس والعالم، ومن الملاحظ أن الصواب اللغوي كثيراً ما تتغافل عنه بعض الصحف والدوريات الإلكترونية وفق ما أقرأ واطلع!؟ ونستطيع أن نطلق على السجال القائم حول الصحافة الورقية ومؤسساتها الذي تحيطه ردود واستدلالات وحجج بأنه اختلاف على الوجود والقيمة فحسب، وفي خضم السجالات الحالية لم أتبين فيما أعلم وثيقة وجود للصحافة الرقمية لحداثة التجربة ولعراقة المقارن وقوته وثباته (الصحافة الورقية) والأهم في مفتتح الرأي أن نفرق بين الصحافة كمهنة والصحافة كوعاء بأشكاله سواء كانت ورقية أو رقمية وعند استيعاب ذلك نستطيع التطرق للتحولات المطروحة في الطريق كمعاني الجاحظ! ولعلنا نغوص في صفة ذلك الوجود وقيمته من خلال حديث التاريخ الصحفي وقواعده وجودته وتأثيره وأثره في مقالة الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير هذه الصحيفة الغراء «الجزيرة» في تعقيبه على فحوى حديث وزير الإعلام سابقاً الدكتور عبدالعزيز خوجة الذي وضعه «المالك» في عنوان لافت (على رسلك يا معالي الوزير) وأحسبه من ردود الطوارئ الناجحة ليبسط «المالك» حقائق يُجلّيها واقع قد يحتكم فيه الجمهور لحديث وزير سابق كان يوماً ما صاحب قرار في شئون الإعلام والصحافة، ولكنه لم يتصدى مباشرة لما تحمله القضية من جوانب ثابتة يجب ألا تزلزلها قناعات غير الممارسين، فاحترافية الطرح حول استشراف مستقبل الصحافة الورقية لابد أن تصاحبه معرفة دقيقة بمسيرة الصحافة الورقية منذ عهود الحصاد النضرة للصحافة إلى يومنا هذا حيثُ صناعة المشهد الإعلامي النوعي العميق، والمحتوى المؤثر، والارتباط الوثيق بمجتعات الناس وشغفهم، وبث وجيب الوطن في حضوره المطرد بين الأوطان؛ كل ذلك لا يسبر دروبه إلا من تربع على سُدّة السلطة الصحفية، وتفيأ ظلال نجاحاتها ورأس مجالسها وقاد هيئة الصحفيين واستدار نحو رؤاهم؛ فقد كان الأستاذ خالد المالك صانع توجه في مجال الصحافة، فأجاد صناعة القلم الذي يقرّر علاقة الصحف مع محيطها، ودأب «المالك» على تمتين مقومات تلك العلاقة، وأبدع في صياغة إستراتيجية نهوض الأقلام من دوائر الذاتية إلى جلب الآخر وجذبه، وأن يجعل الفكر الإعلامي الصحفي في حالة دائمة من التحفيز، وأن يزرع الثقة بمتانة الأرض تحت الخطوات القادمة؛ أما المؤسسات الصحفية فقد استطاعت أن تفتح بوابات المعرفة على مصراعيها، وفي أوج ألقها عندما تشكلتْ أقلام جامعة لصنع الخبر المتفرد، وطرح الرؤى الواعية، وكان صوت الصحافة وما زال من دعائم الوطن, ومنابر الدفاع عن توجهاته، وكان لرؤية وطننا العملاقة 2030 مستراد حفي وزاد وفير على صفحات الصحف المحلية حيث عكستْ الصحف نبض الوطن أمام العالم، وبسطتْ منهجية التسامح مع الآخر, ورصدتْ صوره كمنطلق رئيس لمكونات المجتمع المثقف الواعي؛ وإذا ما دلفنا إلى الحديث عن العلاقة بين تلك المؤسسات الصحفية ومنتجاتها، فإننا نبني تصوراً لذلك الدعم المطلوب للصحافة الورقية من خلال دعم مؤسساتها الذي تبناه وتصدّره باقتدار وقناعة وهمة الأستاذ خالد المالك وتبعهُ الكثير من أساطين الفكر الصحفي الوطني، فتجويد المحتوى الصحفي بكل تفاصيله هو المُراد ودعم المؤسسات الصحفية باعتبارها ذات رسالة نبيلة ووسيلة اتصال بليغة بين القرارات التنظيمية والمجتمع وبين الحكومة والمواطن، أما قوالب التشكيل فتبقى للورق عراقته وحضوره المباشر الذي يمكن أن ننافس به العالم، وأن يُطرح الفيض الصحفي ويبث من الجريدة بكل كفاءة ومهنية عالية فالصحف بتشكيلاتها الحالية منبر ثقافة، وضمان أمني لوعي المواطن والسند الصادق الودود لمؤسسات الدولة الخدمية وغيرها! وإلا فلماذا تبث المؤتمرات الصحفية لأي منتج خدمي جديد في الصحة والتعليم والثقافة والتراث والسياحة من خلال الانتقال إلى فضاءات الصحافة كمنبر إعلامي شفاف وصادق ترقبه أعين الناس وعقولهم، لأن الأقلام الصحفية تبثُ آراءها لإعادة التفكير وقراءة الواقع بكل صدق وموضوعية! ومن منبر الصحافة الورقية المواكبة للتحولات، ومن مؤسسة صحفية عريقة في رِكازها هي «الجزيرة» كانت مقالة الأستاذ خالد الماك إضاءة للتاريخ الصحفي الوطني ليبقى وهجه من خلال اصطياد ذكي مجزٍ للقضية وشهودها العدول وسواهم لعل حكماً منصفاً يتهادى ويُهدي للمؤسسات الصحفية ما تستحقه!