«الجزيرة الثقافية» - مسعدة اليامي:
ضيفة هذا اللقاء قامة من القامات الثقافية النسائية السعودية التي تحدت الصعاب بكتاباتها في شتى الفنون الصحفية والأدبية، فمن خلال تلك المحطات قدمت التحقيق الصحفي والمقال، إضافة إلى دراسة الماجستير في المسرح السعودي وإعداد العديد من البرامج الثقافية والبحوث، ولها إصدارات مختلفة.. ضيفتنا هي الأستاذة الكاتبة الصحفية الأديبة المستشارة الثقافية بوزارة الإعلام ومدير إدارة الفنون الجميلة سابقاً حليمة مظفر.
* صفي لنا علاقتك بالمقال الصحفي وهل تتذكرين كيف كانت بدايتك مع كتابة المقال وما المواضيع التي حرضتك للكتابة؟
- أعتقد علاقتي بالمقال علاقة كيميائية، بدأت منذ تعلمتُ الكتابة في الطفولة رغم كثرة أخطائي حينها، فقد كنتُ طفلة انطوائية لا تتحدث كثيراً؛ ووالدتي لم تكن تسمح لي بالخروج إلا معها أو مع والدي - رحمه الله - ولا بالاحتكاك مع الأطفال إلا من تختارهم، فباتت الكتابة وسيلتي للتعبير بدلاً من التحدث، وقرائي أسرتي خاصة أختي الكبيرة؛ وكنت أكتب يومياتي، ثم بدأت أكتب رأيي فيما أشاهده وأسمعه في جلسات النساء مع والدتي أو أصدقاء والدي حين أكون برفقته، وشيئًا فشيئًا بدأتُ بمحاكاة الصحف التي يحضرها والدي للبيت خلال المتوسطة والثانوية، وللعلم لم أكن طالبة متميزة في مادة التعبير ورسبت فيها خلال الابتدائية، ولم تشجعني أي معلمة أو اكتشفت موهبتي، وأعتقد السبب موضوعات التعبير التقليدية المكررة التي لم تكن تستفزني.
* تكتبين المقال الصحافي تقريباً منذ عام 2004م أي سبعة عشر عامًا، لهذا ما رأيك في واقع المقال الصحافي وتأثيره في المشهد الإعلامي السعودي؟
- تاريخ المقال الصحفي السعودي حافل وثري يعود إلى عقود طويلة بدأت مع الرواد والمؤسسين للصحافة السعودية أمثال أحمد السباعي وعبد الفتاح أبو مدين وحمزة شحاتة وعزيز ضياء وعبد الله عبد الجبار وغيرهم من روادنا المثقفين الكبار؛ ومقالاتهم كانت تتسم بالقوة والتنويرية سابقة زمنها، والصحافة في فترتهم اتسمت بحضورها رغم ضعف الإمكانات التقنية والمادية، نتيجة اهتمامهم بأخلاقية مهنية لا مكان فيها للمجاملات كتابًا أو صحفيين إلا من يستحق، أما الآن فالصحافة تعيش دورًا متراجعًا في تأثيرها بعد افتقاد الحس الابتكاري في صناعة القصة الصحفية وتحولها إلى مجرد نشر لأخبار «بايتة» بظل الانفتاح الإعلامي فيما المقال الصحفي فقد تأثيره عما كان في السابق إلا لقلة من الكتاب المؤثرين، فأنتِ تقرئين مقالات مُتشابهة وهشة، برز ذلك بعد سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على المشهد الإعلامي وتخلي بعض الصحف عن كتابها، واستبدالهم بمغردين من مواقع التواصل الاجتماعي وإن كان بعضهم أكاديميين، لكن المقال الصحفي ليس تغريدة ولا يجيده كل أكاديمي وهو ليس صورة «فوتوشوب» لصحابها مع المقال! بل فن وتجربة ورؤية! ولا أعمم ذلك على الجميع، فهناك من تم استكتابهم من المغردين ونجحوا في كتابة المقال لكن قلة قليلة، والنتيجة عزوف القراء، كونهم يقرؤون لمن لا يختلفون عما في هشتاقات مواقع التواصل الاجتماعي، ومعظم الصحف تتناسى أهمية مقال الرأي كقوة تسويقية لجذب القارئ الذي بات أكثر اطلاعًا ومعرفة؛ وعدم اهتمام الصحف بذلك غيَّب روح المنافسة فيما بينها وجعلها متشابهة!
* يُعد المقال الفن المغيَّب عن منابر ومحافل المؤسسات الثقافية ما هي الأسباب التي دعت لذلك؟
- أنا أيضاً أستغرب عزيزتي معك اهتمام المؤسسات الثقافية بكل التفاصيل الثقافية في حياتنا بينما غاب عنهم المقال الصحفي ومن يكتبونه ومنهم كتاب أدباء ونقاد يكتبون المقال الأدبي والنقدي، لكني متفائلة بقادم أجمل إن شاء الله.
* ما زال جدل كتابة نسائية ورجالية حاضرًا في كتابة المقال، ما رأيك؟
- تجاوزنا مسألة كتابة نسائية ورجالية في رأيي، لكن ربما تشيرين إلى قلة الكاتبات قياسًا بكثرة الكُتّاب؛ ويعود ذلك إلى ثقافة وطريقة إدارة تحرير الصحف؛ ولستُ أبداً مع استكتاب كاتبات كمًا لا كيفًا لمجرد أن يكنّ وردة حمراء جميلة في الصحف! إنما استكتاب الكفاءة والقدرة بغض النظر عن جنس من يكتب، فالقارئ تهمه الفكرة وأسلوب طرحها ولا جنس أو صورة لمن كتبها لأنه بعد ثلاثة مقالات يدير ظهره إن لم يجد جديدًا.
* ما رأيك في تجربة المقال الصوتي المصاحب للمقال المكتوب؟
- جميلة أشجع عليها، لكن تحتاج إلى تمكن صوتي وسلامة اللغة ومخارجها.
* لماذا يقال إن المقال الصحفي مجرد تنظير؟
- أعتقد يعود للكاتب وأسلوبه، وربما هذا أيضاً بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام المفتوح الذي جعل الناس أقرب إلى الأخبار ولديهم منابر يعرضون رأيهم فيها بحرية، جعل المقال الصحفي في تحدٍ ليخرج من الإنشائية إلى المعرفية التحليلية بعمق تُكسب القارئ رؤية جديدة؛ وهذا يعود للكاتب وصقل عمقه المعرفي كي يبقى وسط هذا الزحام الإنشائي مُؤثرًا.
* أوقعتِ ككتابة مقال تحت مقص الرقيب أم أنك تمتلكين المقدرة على المرور الذكي؟
- أعتقد ممارسة عملي الصحفي سابقاً لسنوات عدة بجانب سنوات من كتابة المقال أكسبتني خبرة كافية في التعامل مع مقص الرقيب، فالكاتب الفطن من يفرض وجوده دون تدخل الرقيب في الصحيفة أو صياغته؛ ولا أجدها شجاعة أو جرأة حين يتباهى كاتب ما بنشر مقال مُنع في صحيفته؛ فالكاتب الحقيقي لا يفتعل دعاية مجانية للفت الانتباه لما يكتبه! وعن نفسي لدي مبدأ مهم مع الصحف التي أكتب فيها وهو عدم تدخلهم في صياغة المقال أو تغييره إلا بالرجوع إليَّ؛ وهم يحترمون ذلك وأنا احترم دوري معهم ككاتبة، وحالياً منذ سنتين أكتب في صحيفة المدينة ولم يتم التدخل أو منع أي مقال كتبته فيها؛ لكن حين كنتُ أكتب في صحيفة الوطن السعودية بين 2006م وحتى 2014م؛ ونتيجة لما اتسمت به تلك الفترة زمنيًا من توتر فكري وتطرف صحوي؛ تم منع مقالات لي وإن كانت قليلة تفهمتُ أسبابها آن ذاك، ولم أشر لذلك حينها أو أنشر مقالاتي التي مُنع نشرها.
* مقالات البروفايل تعد من مقالات الندرة والقليل من يقدم هذا الفن وهو يندر عند المثقفات، ماذا يعني لكِ ذلك وأنت ممن يكتبونه؟
- إنه من أحبّ الفنون لي، وفعلاً هو فن نادر على مستوى الجنسين وأتمنى العودة إلى كتابته، لكنه يحتاج إلى جهد ووقت في استقصاء المعلومات؛ فهو يتطلب قدرة خاصة في تحليل المعلومات بجانب مهارة الصحفي والأديب، وكنتُ أشعر بالسعادة حين يصادفني طلاب من كليات الإعلام، ويقولون أن أستاذهم استعرض بروفايل مما أكتبه كي يشرح لهم كيفية كتابته، ولعلّ أفضل وأهم من كتب البروفايل الصحافي في الصحافة السعودية هو الصحافي الأخ والصديق الأستاذ عمر المضواحي - رحمه الله -، ومنه عرفتُ كتابة البروفايل خلال عملي معه في صحيفة الشرق الأوسط لسنوات عدة.
* ماذا يحتاج من التحدي حتى أصبحت اليوم من الأعمدة الصحافية السعودية المقروءة ليس فقط على مستوى الجنسين الكتاب والكاتبات والتي يشار لها بالبنان؟
- ممتنة لرأيك بي، أعتقد احتاج مني ثقة بالله تعالى وشغف وتطوير أدواتي؛ وبالتأكيد الصبر الجميل على الأذى والإشاعات الكاذبة وإدارة ظهري للغة التحريض ضدي خلال فترة التطرف الصحوي التي عشناها في المجتمع قبل رؤية 2030 التي يقودها الأمير الملهم ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله -، فما قبلها عانى الكتاب والمثقفون كثيراً من تطرف مرضى القلوب الصحوي؛ وهذا الأذى مسني على مستوى حياتي الشخصية وأثر في مسيرتي العملية، وربما يوماً ما أكشف ما تعرضتُ له في كتاب يسردها بشفافية.
* صاحبة الجلالة مهنة المصاعب ذلك الشغف الذي سكنك هل كان مصادفة أو مخططًا لهُ؟
- كان حلم مراهقة مُتفتحة في عالم مغلق من حولها آن ذاك، أدركت أن الصحافة وسيلتها للتعبير والتحسين والتعلم، والحقيقة عملي السابق بها بمنزلة مدرسة اختصرت لي الزمن ووسعت إنسانيتي عبر احتكاكي بمختلف الشرائح ممن قابلتهم في الشارع والسجون والمستشفيات والأندية الأدبية وغيرها.
* أنتِ مجموعة من الفنون والمواهب الأدبية، فقد كتبتِ التحقيق الصحفي والبروفايل والمقال، وتخصصت في الماجستير بدراستك للمسرح ومفهوم الدراما في وقت لم يكن ذلك محل اهتمام أكاديمي، واشتغلت في إعداد وتقديم البرامج التلفزيونية الثقافية، إضافة إلى تقديمك أوراق عمل تشاركين بها في الملتقيات الثقافية داخل السعودية وخارجها.. حدثينا عن كل هذا مما تقومين به ولا يعرف حجم صعوبتها إلا من يمارسها؟
- أشكر لك على حفاوتك عزيزتي، بصدق لا أجيد التحدث عن ذلك؛ لأني ممن يُفضلون العمل أكثر من التحدث، والحمد لله هي نعمة وفضل من الله تعالى، ودون شك أني حظيت بوالد رائع - رحمه الله - شجعني وتفهم رغباتي أينما توجهت؛ فبتُ كما ذكرتِ آملة أن أوفق في خدمة الوعي والثقافة ووطني الحبيب.