د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
وأبو سليمان ليس بارعًا في إدارة المدرسة وحدها بل بما هو أخطر من ذلك، وهو إدارة الأزمات، مثال ذلك ما صنعه في تلك الليلة الليلاء حين أرخت السماء شآبيب كأفواه القرب، وتدافعت السيول واكتضت الأودية وأمتلأ حوض (المغيريب) بالماء ففاض الماء مقتحمًا البيوت على جانبيه، وخرج الناس موفضين بما خفّ من متاعهم، وبدأت المنازل تتساقط أثناء تلك الليلة المدلهمة، هنالك جاء قرار المدير الحصيف، فتح المدرسة، وأعطى كل أسرة غرفة تستقر فيها ليلتها تلك وما بعدها من الليالي حتى يأذن الله بالفرج، لم يجد ضرورة للانتظار لاستئذان مسؤول عن ذلك، بل اتخذ ما رأى الوجب الإنساني يقتضيه وهو أمر حمد له.
لم يكن مدرسًا أو مديرًا منكفئًا على عمله بل من رجال بلدته العاملين على تقدمها ورقيها، كان رجلًا كريمًا يستقبل الوافد إليها ويحسن إكرامهم، رأيته يدعو أعضاء شركة إيطالية تفحص تربة الطريق المعبد الذي سيمر بالمذنب، رأيته استعار لهم من أدوات الأكل ما لم يكن لديه، ورأيته يستقبل طلاب جامعة الرياض (جامعة الملك سعود) وأستاذهم يوسف أبو الحجاج سكّنهم في المدرسة ودعاهم للإفطار في بيت عائلته.
كانت كثرة أعبائه حائلًا دون تكملة مسيرته التعليمية، ولكنه لحدة ذكائه استفاد من فرصة أتيحت لنيل شهادة الكفاءة المتوسطة في سنة واحدة تزوي ثلاث سنوات، رأيت جده في الدرس، رأيت دفاتر ما سبق أن رأيتها من قبل، كانت أوراقها مجموعة بسلك معدني لولبي، كان من متعي البالغة تقليب دفاتره للنظر إلى جمال خطه، وحسن تنظيمه، وخطوطه التي يرسمها بالمسطرة والمرسمة (قلم الرصاص)، إن الحديث عن أخي محمد يمكن أن تكون له بداية ولكن يصعب أن تكون له نهاية.
وأما أخي رْشيد (رُشَيْد) فقد كان معلم العربية بلا منازع، علمنا المطالعة وهي مادة القراءة، وتعليمه لها ممتع جدّا، وأما قواعد العربية فليس يضاهيه أحد في حسن شرحه وجودة بيانه ودقة معرفته وإخلاصه في تجويد ما يعلم، وإلى ذلك كان مكلفًا تدريب فرقة الأشبال وكان ذلك ممتعًا جدًّا ومهيئًا للمشاركة في احتفالات المدرسة التي تفاجئ بها فرقة الأشبال بصيحتها الجمهور. كان الإخلاص في العمل والحرص على حسن الأداء رائده، ولست أنسى يوم كان اختبار السنة السادسة، وهو اختبار لكل مدارس المذنب تجتمع على صعيد واحد، وهو فناء المدرسة السعودية، وتؤلف له لجنة اختبار رئيسها من خارج البلد، في يوم موعد اختبار القواعد عقد أخي رشيد قبل موعد الاختبار درسًا للمراجعة وإذكاء المهارات، لم يعقده لطلاب مدرسته بل لمن أراد من طلاب المذنب، ورأيت في ذلك اليوم طلابًا من المدارس: الخالدية والعزيزية والفيصلية. وكان هو وأخي عبدالله وسليمان العليوي من الأساتذة الذين اختارتهم الدولة للمشاركة في التعليم في حضرموت. وحين عاد لم يهنأ له بال حتى التحق بالدراسة في مرحلة الكفاءة المتوسطة ثم مرحلة الثانوية العامة، كل ذلك بالدراسة المسائية، ثم انتسب إلى قسم التاريخ في كلية الآداب، وحين كان يختبر كنت معيدًا في الكلية فكنت في لجنة المراقبة على ذلك الاختبار.
للموضوع صلة