أضرحة للذكرى:
يوماً ما لن يبقى في ذاكرة الهاتف سوى وجهي محتفظاً بكل قبلاتك الأخيرة..
تلك التي تركتها.. علي وذهبت مثل ذكرى بجدار بيت مهجور..
سترينها تذوي على تجاعيد وجهي..
كورقة ملاحظات من كتاب مهمل..
أنظر وأرى ما فيها..
مواعيد..
أحلام.
كلام بذيء..
ونبوءات..
ومسودات قصائد لم تكتب..
غير أنك تركتني وحدي مهملاً..
مثل حصاة مرمية ببئر مهجورة..
حتف:
خذني ستحترق المسافة في يدي..
وينالني بعد المدى..
وأظل وحدي..
خذني فأسراري مخبأة..
وباب قلبي موصد..
والموت بعدي..
خذني.. قبيل الموت..
فلا ينتابني خوف منك.. ولا عليك..
خذني.. جريرتك الأخيرة..
فأنا البعيدة في جوارك..
خذني سيأخذني جحيم النوم عنك..
خذ ما تبقى من أحلامك الفصحى..
فكم تبالغ في انتظارك..
خذني ستبكيني وحيداً..
ثم تبكي منتهاي على يديك..
خذني.. تؤرجحنا الوصايا والمنون..
يا أيها المجنون بي..
خذني لحضنك لليلتين..
لأجن لك.. وأرجئ الباقي لحتفك..
خذني إليك وأوقظ شعرك المجنون.. تقتلني قصيدتك الجميلة..
خذني..
أذوب كشمعة الأعراس ملتهباً..
كماء في يديك..
يا أيها المجنون.. هل كنت تتركني..
وتذهب في مدى الأيام وحدك..
يا أيها القديس لتقرأ نصك الآتي معي..
فأنا أكاد أموت من شغف عليك..
مراسلون من الداخل
نحن عائلة لا تتابع الأخبار.. لكنها تصنعها..
نعلم بحدوث الانهيارات والكوارث.. في العالم..
حين تسقط الأطباق من يد أمي..
عندما يعبث الصغار.. بالزجاج المكسور.. فتجرح أيديهم..
عندما تنسى أختي الطعام خارج الثلاجة فيفسد الطعام..
وحين أنام والسيقارة في يدي.. فتحترق ملاءات السرير..
نحن تعلمنا أن ننظر إلى الخارج.. عبر الداخل..
تعمل مشاكلنا الصغيرة.. كتقارير مفصلة عن حوادث العالم..
منزلنا القديم
لم أكن للحظة أمبراطوراً.. ولا ابناً للشمس.. يعبده العامة ولا يروه..
كنت طفلاً بساقين صغيرتين.. وفم ملطخ باللغة السائلة..
وحيناً يستحيل بيتنا الصغير.. إلى تابوت للموتى..
تابوت مليء بمرايا الأنا.. وصقيع الشك والشبهات..
كانت تجمعنا غرفة معيشة واحدة بلا نظام كشهادة
ميلادنا التقديرية..
في النهار نحترف عنف الطبيعة فنجتمع خلف الأشواك والصخور.. وهدير المحراث..كعادة اجتماعية ضارة..
وفي المساء كان أبي يطعمنا كتبه.. تفانيه.. وسخطه.. وتدينه الصارم..
وحدها أمي هي وحدتنا الممتدة بين لحظتين لا تنتهيان.. تحضر في الحياة كخلفية موسيقية تطول في الوقت والمكان..
بينما يهدر فينا وفيها نهر الزمن الشاسع.. ونمت على وجوهنا لحى بيضاء.. وصار على سواعدنا وشم يقول: «الزمن هتك»..
كانت أمنياتنا طين يسيل مع الزمن.. ومواعيد الأحلام.. وتنهيه رائحة الاختفاء..
بينما عيناي ترقبان فساد الأمكنة.. يبعثر أجزاءها المخفية في ملامحي..
نكاية
(1)
أنت سواك.. حين تغيب الوجوه التي تعرفها..
حين تسيل في ذاكرتك روائح كلمات لا تصلح إلا لها..
كل كلمة تود أن تكتبها.. فزعة أن تكون لغيرها..
فزعة أن تخونها..
(2)
أنت سواك.. عند اغتراب حواسك..
تسير غريباً بين الجميلات..
بنظرات طفل.. وصمت رجل عجوز..
(3)
غريباً تعود .. في المكان الغريب..
كأنك أنت المكان الغريب..
غريباً يحفظ الوجوه العابرة..
وجهاً وجهاً..
ويعرضها على ما تبقى من ذاكرته..
لكنه لا يعرف فيها سوى النسيان..
(4)
أنت سواك.. حين تراها كسراب موشك على الانقضاء..
أو كشرفة عصرت منامات اليقظة خمراً.. وبنصف وجه موارب كفرت بالشمس.. والنجوم..
ودعت كل العيون التي تشتهي عناقها.. للموت..
(5)
أنت سواك.. حين يصبح المتبقي من الوقت لك..
حين يذوب اللون الرهيف الذي صاغك.. في يدك
وتغص الكلمات والأحلام والأسرار التي ادخرتها.. في محاجر عينيك..
(6)
أنت سواك حين تبكي بلادك الضائعة..
وفجرك الموحش..
وتبقى هناك.. منذوراً.. للمُنى المستثارة..
للمُنى الضائعة..
لمنفى صغير تؤجله..
ولطيش الاحتمالات المفتوحة على كل وجه..
لكن ما يتبقى من الوقت.. سيكون لك..
(7)
أنت سواك.. حين تعود غريباً أمام كل شيء.. وكأنك اللا شيء ذاته..
موغلاً في النكاية.. يطلق الزمن يده فيك ويمضي بك إلى صمت الأقاصي البعيد..
** **
- أسعد بن ناصر الحسين