عنيزة
مطية النهار الشاحبة تزحف إلى مغارة الليل ترمي هودج الأصيل عنها في زوايا ومفاصل المدينة الباردة !!!
تلونت دروب وبيوت وبساتين الغابة الأسمنتية بريشة رياح الظل وصرصرتها حفيف !!
وفي منتصف الليل
خيم الصمت أو كاد
الطرقات خالية أو تكاد
المتاجر مقفلة أو تكاد
ومصابيح غرف النوم مطفأة أو تكاد !!!
وتظل مصابيح غرف المسهدين الخافتة على وقع آهات وأنين المتعبين يحبو نورها إلى النوافذ الزجاجية المغلقة فتبدوا وجنات النوافذ الزجاجية كبقايا نار راحلين تحتضر وجمرها الأحمر يكحل الليل ولكن جفون الليل شاسعة !!!
منتصف ليلة من ليالي شباط
أنا هنا في غرفتي الصغيرة أمواج الليل الباردة تتلاطم عند باب غرفتي وحول النافذة وصوت حفيف الريح سيف يستل من غمد صمت الليل لينقض على بقايا سكون خاطري !!!!
بت أشعر أن غرفتي كوخ خشبي معتم يسبح في فضائه سناء مصباحي الصغير وبريق أدمعي التي تطل من زنزانة عينيي !!!
ما أقسى ليل شباط والكآبة منه تعتريني وأنا وحيد وقلبي العاري وحيد على رصيف الليل
تدميه الرياح !!!!
ما أقسى ليل شباط حين بدأت أشعر أن غرفتي ميناء أشد عمقا وغرقا وعاصفة وموجا من كل محيط وبحر!!
منتصف ليلة من ليالي شباط وبعده
وطيلة ساعات الليل وأنا أكتوي بجمر صقيع الوحدة والبرد يقتات من أعشاب الدفء الصغيرة ورقتها النابتة في بعض زوايا غرفتي العارية ا!!!
ولأني أشعر أن غرفتي تريدني ملجاء لها بعد أن كنت أظن أنها حضني وحصني الوحيد في ليلة من ليالي شباط القارص أو القارس لا يهم بالصاد والسين هي لدغة!!!
ما حيلتي حين كان البرد في الأعماق أشد ضراوة من برد يحتل مفاصل غرفتي العارية!!!
أشعلت شمعة صغيرة وحملتها بيدي وأخذت أمشي في الغرفة أحاول أن أكسيها ببعض أشيائي المبعثرة فيها
حتى ضحكت بعض معالمها جوادي الخشبي الذي أسرجته بلحاف لا يكفي أن يكون عش دفء لعصفور قلبي ومناماته !!!
وأدرت الشمعة على المنضدة الصغيرة حيث قوارير الدواء والحبر والعطر
وتوقف كثيرا على عدة أوراق بيضاء في كل ورقة كتبت في السطر الأول كلمة واحدة مفردة واحدة
سيدتي.. أو حبيبتي... أو أليفتي... أو ملهمتي... أو يا أعز النساء... أو يا أعز الناس
أو.. أو.. أو... أو.... ولا شيئا بعد «أو» فبقية الصفحات خالية !!!
بقية الصفحات خالية يملأها صمتي الأبيض كل الكلام مع حفيف الرياح كعواء ذيب الحنين
يذكرني ويؤلمني لم يعد لدي من أدب الأحزان سوى بعض حروف النداء... نداء بين قلب وقلب
بلا جواب !!!!
آخر الليل الطويل البارد
وأنا في وحدتي أسمع صوت الديك المبحوح في فناء منزلنا يشبه صوت سعال صدري الموجوع
فكرت من جديد أن أصنع الدفء فقمت وأشعلت غلاية القهوة وعملت فنجان قهوتي السوداء وألقيت فيها
قطع من السكر وتبسمت حين ذكرتني رائحة قهوة آخر الليل بقهوة صبحي ....
وتتطاير أبخرة قهوة ليلة شباط كفرشاة صغيرة لكنها تحترق عند فمي بأنفاس وآهات حزني وشكواي !!!
وفي حيرة وإعياء وضجر شعرت أن غرفتي تضيق وتضيق بي رغم اتساع مدى حيرتي ونظراتي تحلق ما بين سقفها وستائرها وتسقط النظرة الدامعة في سحيق فنجان قهوتي !!!
لهذا وقفت أمام المرآة الكبيرة أريد أن أتخيل أن مساحة غرفتي وانشراحها قد زاد !!!!
عذرًا قلبي... !!!
علينا أن نصدق الحلم بالدف ونتوهم طالما أن ليل شباط البارد يغني أكذوبة الحلم بالدفء والسعادة !!!
ومن لحظة اليأس تجدد الأمل بالنعاس
توسدت ساعدي أريد أن أغفو لعلي إذا غفوت أكون أنا البطل الذي يتأنق بمعطف الدفء وأمسك يدي بيد
معي لا تفارقني ويسدل ستار مسرحية «أنا وليل شباط» وبالهمس نقولها خذها يا حفيف الريح
معك... النهاية لقاء يبقى رغم الفراق لقاء
** **
- عبدالعزيز حمد الجطيلي
email: ayamcan@hotmail.com
twitter: @aljetaily