في طريقه لإيصالها لمقر عملها؛ أخذها الفضول لفتح مخبأ تابلون السيارة قبالة الراكب على يمين السائق، وجدته مقفلًا؛ طار صوابُها؛ تمنت عليه مفتاحه؛ اعتذر لوجوده مع مفتاح السيارة؛ طالبته بالتوقف على يمين الطريق السريع؛ كرر اعتذاره؛ - التوقف فقط بعد عشرين كيلًا -بمحطة تعبئة الوقود؛ وصل المحطة؛ أقفل تشغيل سيارته ووضع المفاتيح في جيبه السفلى الأيسر؛ تصاعد غليان فضولها؛ ذكرته، بادرها بسؤال عما إذا كانت تريد شيئاً من بقالة المحطة؛ لم تنبس ببنت شفه.
مع عودته؛ كان عامل تعبئة الوقود للتو يقفل خزان الوقود؛ أشغل سيارته وواصل سيره إلى أن توقف قبالة بوابة المدرسة؛ زوجته متشبثة بمكانها؛ أومأ إليها أن تترجل؛ لم تجبه، سادت سحابة صمت لدقائق؛ أقبل حارس المدرسة كالإعصار؛ طرق نافذة السائق؛ سأله وبحدة: «ما وراءك»، أبلغه أن ثلاث سيارات خلفه تنتظر الانعتاق من مكثه لإنزال معلمات؛ التفت إليها؛ مشيراً بذراعه الأيمن جهة الباب؛ مدت يدها اليسرى تجاهه؛ تعطلت لغة الكلام، آثرت المعاملة بالمثل، شرعت تحرك كفها؛ بين مد وجزر؛ أطفأ السيارة وسلمها -»الجمل بما حمل» الحارس يعاود طرق نافذته، وأبواق السيارات خلفه تواصل تنبيهه؛ حاولت بجميع المفاتيح دون فائدة، أبلغها من الممكن أن مفتاح مخبأ السيارة من غير فصيلة المفاتيح، لعله لم يرق له المكث؛ ذهب مع الريح، ازداد غيظها، أشارت إليه أن يحرك السيارة تجاه البيت؛ وصل فترجل، فيما ظلت قابعة بمقعدها؛ دقائق؛ وعاد بخفي حنين، أقسمت أن لا تغادر السيارة إلا أن يُفْتح المخبأ؛ سار إلى أقرب محل إصلاح وتغيير مفاتيح، فُتِح المخبأ؛ تبلجت أساريرها، وجدت هاتفًا نقالًا مزينًا بإكسسوارات، فيما هو.. لا يسمع لا يرى لا يتكلم؛ امتقع وجهُها؛ فتحته لا وميض؛ التقطت شاحنة وضعته في مقبس السيارة... لا فائدة؛ تعصى الشَّحن، كخيال مآتة، فتحت غطاءه، لا شريحة؛ سألته:
- من أين لك هذا؟ في حفل تكريم موظفي الإدارة التي يعمل ومن تاريخه لم يتفحصه طالبته وبحدَّة أن يقصد أقرب محل للهواتف النقالة؛ اتضح أن البطارية تالفة، ولا تتوفر بطارية تناسب نوع الهاتف بجميع محلات مجمع الاتصالات؛ ظل صامتًا مكتفيًا بابتسامة صفراء و»لازمة «حاضر»، بطريق العودة إلى البيت ظهرًا؛ غليانها يتصاعد، فيما هو غير آبهٍ بما هي عليه؛ التزم الصمت، بعد فترة استراحة ارتشف قدحًا من شاي في حافظته من بقية إفطار الصباح؛ قصد مسجدًا مجاورًا أدى فريضة الظهر، امتطى سيارته ليحضر ابنيه من مدرسة ابتدائية تبعد قليلًا عن الحيّ، فيما كان يسير بسيارته صوب المدرسة، تلقى اتصالًا من زميل حميم يطمئن عليه، كان أول يوم يغيب فيه عن عمله في أحد البنوك، أبلغه أن قرارًا صدر بإيفاده في دورة تدريبية لستة أشهر بإحدى الدول الأوروبية، تجاوز المدرسة دون أن يتنبَّه لانشغاله بالرد؛ وقد التقط أحد أجهزة (ساهر) انشغاله بالاتصال، ادكَّر وقد ابتعد عن مخرج للاتجاه الآخر من الشارع، واصل خط سيره قاصدًا دوارًا آخر، وللوصول إليه مشقة في وقت الذروة؛ انصراف طلاب المدارس وبإصات نقل الطالبات؛ قبيل الدور؛ أعلنت شارُة المرور الضوئية شارتها الحمراء؛ شاهد بمرآة السائق خال أطفاله، فتحت الإشارة الخضراء، أخذ الدوار على يساره، وما أن امتطى الطريق المعاكس حاذاه سائق السيارة من اليمين وإذ بزوجته برفقته تلوح له بإشارة وعيد، انطلقت سيارة شقيقها بسرعة مذهلة مستغلًا غياب جهاز رصد ساهر، وصل المدرسة؛ وقد أقفلت أبوابها، سأل حارسَ المدرسة، أفاده قبل دقيقة توقفت سيارة وحملت آخر طفلين. عاد إلى البيت وقد ذابت تؤدته، صمته هجره، وجد الباب الخارجي مقفَلاً، اتصل لم يجد ردَّاً ظل خلف مقود سيارته، تتصاعد زفراته، يقلب أمره على أسوأ قرار يتخذه، قاطع حبل تفكيره اتصالٌ وما أن قبل الرد عليه أقفِلَ الخط، رن هاتفه مرة لم يرد، اتصل وجد على الخط امرأته تتصل من رقم غريب، معلنة أنها وولديها ببيت والدها، لن تعود إلا حين يحضر لها بطارية للهاتف إياه.. لم يرد عليها بكلمة واحدة، أقفل هاتفه وقصد محل حدادة، فتح الباب واستبدل قفلًا آخر، على عجل جمع ما تيسر من ملابسه وأوراقه، حجز غرفة بأحد الفنادق، صباح اليوم التالي، ذهب لعمله وتسلم تذكرة سفر مع خطاب إيفاده، عاد إلى الفندق، لم يظل على موعد سفره سوى يومين، أنهى فيها إجراءات سفره. عشية سفره، رن هاتفه، اتصال من شقق زوجته:
- لتأخذ بخاطر زوجتك..
- مسافر للبحث عن بطارية «جوال»
- سأله:
أي بطارية وأي جوال...
- الجواب تجده عندها
ثم أقفل جواله، عاد للفندق، تناول عشاءه في أحد المطاعم، وقصد محل اتصالات، ابتاع شريحة. جديدة وألقم بها جواله وهو بطريقه إلى المطار..
** **
- محمد المنصور الحازمي