الجزيرة الثقافية - محمد هليل الرويلي:
قبل سنوات غامر منفرداً الكاتب عبدالرحمن السلطان بتدشين مبادرة مبتكرة عبر منصات التواصل (كل أسبوع كتاب)، يقرأ مع متابعيه كتاباً مختلفاً كل أسبوع، واستطاع إنهاء دورات متتالية من المبادرة بنجاح باهر، في لقائنا نتعرّف على المبادرة وفكرتها والتحديات التي واجهتها، وماذا حقق خلال السنوات الماضية، والأهم كيف نستطيع العودة إلى الكتاب، وتنمية عادة القراءة رغم الظروف والمشتتات.
وحول انطلاقة مبادرته وأهدافها قال: لي اهتمام عتيق بالقراءة والاطلاع، إذ توسعت اهتماماتي الثقافية والعلمية مع الوقت، وعزَّز من ذلك المكتبة الغنيّة لوالدي المربي الفاضل سلطان بن عبدالعزيز السلطان - حفظه الله - غير أنني وجدت أنني مع مرور الزمن أضحيت أكثر ابتعاداً عن الكتاب، لأسباب مختلفة ومشتتات متعددة كما هو حال الأغلبية، وبالذات مع تعاظم سطوة «التواصل الاجتماعي» وفي ظهيرة يومٍ خريفي من شهر أكتوبر 2015م أصبت بصدمة رقميّة مفاجئة! إذ إن نتائج تطبيق إلكتروني يقيس مدة اتصالي اليومي عبر منصات الاتصال الاجتماعي (الواتساب، تويتر، انستغرام، سنابشات، وغيرها) أظهر أنني مدمن عليها كما الغالب الأعم من المجتمع، ذهلت من الرقم فقد تجاوز الست ساعات يومياً! أي أن ربع يومي كان يضيع فيما لا ينفع تقريباً. اتخذت قراري بالعودة للقراءة ولكن بطريقة منهجية تتبع أسلوب مؤشرات الأداء KPI التي أستطيع منها معرفة مدى التزامي بالخطة وكان القرار الأهم أن أبدأ الآن وليس مع بداية السنة كما يفعل الكثيرون في تسويف قراراتهم، وهكذا كان الانطلاق مع كتاب «التفكير اللماح» للكتاب الكندي «مالكولم غلادويل» 17 أكتوبر 2015م.
أما الهدف الأساسي فهو محاولة التغلّب على غول «التواصل الاجتماعي» وتحويله من تهديد لأوقاتنا ومُشغل لحياتنا إلى فرصة نستغلها ونستفيد منها جميعاً، كذلك هدفت المبادرة إلى توسيع الحصيلة الثقافية والذخيرة العلمية، واستغلال الوقت في ما ينفع ويضيف إلى المدارك، كوني قاصًا وكاتب عمود أسبوعي، واحتاج الاطلاع الدائم والقراءة المعمقة لتجويد كتابتي ورفدها بالحديث والموثّق. فكان القرار: قراءة كتاب واحد كل أسبوع، بهدف تحقيق قراءة 52 كتابًا في العام الواحد! وللتغلب على شَرك التسويف ومستنقع التأجيل استغليت منصات التواصل الاجتماعي بطريقة مبتكرة تجبرني على الاستمرار في القراءة واستكمال أهدافي، فكان أن اخترت منصة «سناب شات» حساب @asalsultan لأعلن عن الكتاب بداية الأسبوع «يوم الأحد» لمتابعيّ، ثم أبدأ بقراءته واستعراض أهم ما فيه خلال الأسبوع، استطعت تحقيق هدفي في السنة الأولى بقراءة 52 كتاباً -والله الحمد - واستمررت بعد ذلك في السنة الثانية ثم الثالثة.
وعن الشركاء في هذه المبادرة ومدى التجاوب الذي لقيه قال الكاتب عبدالرحمن السلطان: هي جهد شخصي دون شركاء، وقد يكون أحد أسباب نجاحها عدم وجود أطراف قد تؤخر الالتزام، كون الفكرة بسيطة وتنفيذها يعتمد على الشغف والالتزام وتحقيق الهدف، لقد كانت ولا تزال تجربة «كل أسبوع كتاب» إحدى أهم تجاربي ونجاحاتي، قد أضعها ثانياً بعد تجربتي الصحفية حينما كنت طالباً في المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية، فقد كنت أصدر صحفاً ومجلات دورية بخط اليد في المنزل!
في البدايات كانت التجاوب بسيطاً، لكنني وجدت تشجيعاً منقطع النظير من والديّ ومن زوجتي الشيف إيمان البهلال، ثم ازدادت المتابعة والاهتمام من متابعي في «السناب»، كوني توسعت نحو منصات أخرى، حيث دشنت قناة في «اليوتيوب» تحمل نفس الاسم، أبثّ من خلالها تسجيلات استعراض الكتب، وحققت تجاوباً رائعاً، في منصة توتير باسم «كل أسبوع كتاب @everyweekabook
وأوضح السلطان أن هناك عدداً من المعايير يفرضها على الكتب ويقع عليها الاختيار: هناك مجموعة معايير متنوِّعة لكنها جميعاً تصب في صالح اختيار الكتاب المناسب، أولها التنوّع في محتوى ومجال الكتاب، مطالعة الفهرس ودار النشر، وتقييم الكتاب في منصة تقييم الكتب (Goodreads) والمراجعات عنه، أيضاً عدم تكرار المؤلف، ناهيك عن محاولة الاستجابة لطلبات المتابعين الأعزاء، لقراءة واستعراض كتب لا يوجد لها تعريف في شبكة الإنترنت، ويمكن الاطلاع على قوائم الكتب المختارة في مواسم المبادرة على حساب «كل أسبوع كتاب» في تويتر.
وفي معرض إجابته عن عدد الكتب في مكتبته وأهم العلوم التي تضم أجاب قائلًا: ولله الحمد عدد الكتب يتجاوز بضعة آلاف، في مجالات متنوعة، ولكنها متركزة في مجالات الآداب والفنون، ناهيك عن كتب الصيدلة والإعلام كونهما تخصصي الأكاديمي، كما أنني مغرم باقتناء أمهات الكتب ونوادرها. مما جعلني أخصص غرفة كاملة في منزلي للمكتبة، وأعتقد أنني بحاجة لغرفة ثانية قريباً!
وأضاف كما سعدت بعدد من الإهداءات التي أضافت لي الكثير، واستطعت أن أساهم بمزيد من الانتشار لها، مع التأكيد أنني لا أقوم باستعراضها في الحساب إلا بعد التأكد من مناسبتها واحتوائها على ما يضيف لرصيد المتابعين المعرفي.
وقال إن أهم النصائح التي تسديها من أجل الإقبال على القراءة تختلف من مرحلة عمرية إلى أخرى: يأتي على رأسها أن نؤمن أننا مختلفون عن بعضنا البعض، فما يعجب فلانًا قد لا يعجبك، وما يدهشه قد لا يمثِّل لك أي شيء! لذا مدخل القراءة الأول (والأساسي) أن تبدأ بقراءة ما تحب بغض النظر عمَّا يراه أو يعتقده الآخرون. قراءة ما تحب تفتح لك عوالم مختلفة، ويقودك لقراءات أوسع في مجالات أخرى، لا بد تبدأ بما ترغب أنت.. ثم من خلالها تتعرف على مجالات أخرى تحبها. أيضاً تجنب القوائم المعلبة، فهي بنيت على رؤى وأفكار شخص مختلف عنك، وغالباً لم تقرأ كما يقولون، رغم أنه يمكن الاستفادة من القوائم إذا رغبت أن يؤسس لقراءة ما في مجال جديد بالنسبة لك، كذلك تجربة قراءة الكتب الإلكترونية، وخصوصاً أن تكلفتها منخفضة، ومحاولة الاستماع للكتب المسموعة، فلا أجمل منها في السيارة وحينما تمارس أعمالاً روتينية. كذلك توثيق القراءة بالملاحظات والأفكار يساعد على استمرار الحماس، وعلى العودة لنفس الكتاب ومطالعة ما كنت تسجل على حواشيه، أيضاً معرفة ما حققت في سباق القراءة والاطلاع. وأيضاً زيارة المكتبات التجارية ومعارض الكتب، تساعد على اختيار العناوين القريبة من الشغف، وتلك التي تثير الاهتمام.