لم تكن انطلاقة البث التلفزيوني حدثاً عادياً على الإطلاق، حيث بدأ في السابع من يوليو 1965 من محطتَي الرياض وجدة بالأبيض والأسود، وكان يغلق عند الثامنة مساءً، ثم في مرحلة لاحقة توسع ليشمل كل المناطق. وفِي عام 1974 تحول البث إلى البث الملون، وفِي العام ذاته رأى العالم مناسك الحج منقولة بشكل مباشر لأول مرة.
وقد تحفظ المجتمع السعودي في بعض منه على القادم الجديد، فتأخرت بعض الأسر في اقتنائه، ثم ما لبثت أن لحقت بالركب.
لقد كان التلفزيون مصدر وعي ومعرفة وترفيه يليق بتلك الأيام التي أدركناها ومَن هم في أعمارنا، حيث كانت الأسر بجميع أفرادها تتسمر عنده؛ مما حقق تقارباً أسرياً مطلوباً، وكانت البرامج والمسلسلات وبرامج الأطفال والأخبار متابعة من الجميع، ومحتواها قيماً جداً في معظمه.
فمن ينسى برنامج (الكلمة تدق ساعة)، (من كل بحر قطرة)، والبرنامج الألماني (تلي ماتش)، (لمن الكأس)، (الطب والحياة)، (العيون الساهرة).
وكم تابعت العيون غمزات (سميرة توفيق)، أداء (أم كلثوم)، (نجاة الصغيرة)، وعبدالحليم وفريد وغيرهم.
كما لعبت المسلسلات البدوية دوراً في الترفيه والمتابعة، لعل من أشهرها على الإطلاق (وضحى وبن عجلان).
وعلى كل ما تقدم نال التلفزيون رضا الجمهور حينها، وكان النقد قليلاً بحقه، على عكس فترة ما بعد الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، التي توقف التلفزيون عندها إثر حركة جهيمان عن ظهور المرأة المذيعة، والمغنيات، والبرامج المباشرة
فظهرت مفردة (غصب1)، (غصب2) التي عبّرت عن حالة من استياء الجمهور بعد حرب تحرير الكويت وظهور القنوات الفضائية، وصار الجمهور يقارن بين قنواتنا التلفزيونية وما يتابعونه على الدش الفضائي.
مكتبة التلفزيون ملأى بالمواد القيمة من مختلف القوالب التلفزيونية، ولعل أحداً يعيد ترتيبها، وبثها من جديد، وإتاحة الفرصة للجمهور من مختلف الأعمار متابعة زمن جميل مضى.
لقد أرسى التلفزيون السعودي تقديراً قيماً لنشرة الأخبار، وخصوصاً نشرة التاسعة ونصف الليلية مساء الاثنين حيث كان موعد جلسة مجلس الوزراء قبل أن يتغير إلى الثلاثاء، وقبل أن تدخل التطبيقات الحديثة على المجتمع كتويتر وغيره التي غيّرت المعادلة، وأربكت المشهد التقليدي.
لقد كان تحفز الناس لمتابعة النشرة تلك شيئاً ملموساً، بل حتى أن الأشقاء في الخليج كانوا يشاهدون تلك النشرة، وقد قابلتُ بعضاً منهم وأفادوني بذلك، بل كان تأخرها أحياناً عن الموعد ببضع دقائق أو أكثر يزيد من كم المتابعة ويشرع الناس في الاتصال ببعضهم والتنبؤ بما سيعلن.
حصل تطور واضح جداً إبان وزارة الدكتور خوجة (2009-2014)؛ إذ تم افتتاح قنوات (القرآن، السنة، الثقافية، الاقتصادية)، وكانت فتحاً جديداً بحق. وفِي عهده أيضاً تم تحويل الإذاعة والتلفزيون إلى هيئة مستقلة، وهذا أعطى مرونة مالية وإدارية للعمل التلفزيوني ولرئيسها، الذي تعاقب عليه أكثر من شخصية.
رؤية 2030 أعطت الثقافة والفنون والسياحة والترفيه بُعدها الحقيقي في خططها، وتنتظر منها مساهمتها في التوظيف وتحريك دورة الاقتصاد المحلي.
التلفزيون أغلق أكثر من قناة قبل عامين، من أبرزها (الثقافية). والسؤال: بدلاً من أن نتوسع في معايشة حركة المجتمع وتطوره قلصنا المتابعة والمواكبة التلفزيونية، وتركنا الدور للقنوات الخاصة؟!
** **
عبدالعزيز بن فهد العيد - نائب رئيس جمعية (إعلاميون) - المشرف العام على القناة الثقافية سابقاً