ربما لم يكن (رولان بارت)، مجانبا للصواب، عندما طرح في الستينيات الميلادية، نظريته التي أعلن فيها موت المؤلف، إذا ما ربطنا بين رؤيته وسياقاتها الثقافية والفكرية والنصية التي أوصلته إلى تلك الرؤية، التي أمدت الحركة النقدية في الوقت نفسه بديناميكية الصراع النقدي، الذي استثمر أقطابه جوهر فكرة (البنيويات)، المنغلقة على النص، لتمد النص بمناهج كانت بمثابة الثورات النقدية على مناهج أخرى، ما أفرز - على سبيل المثال - البنيوية التكوينية، التفكيكية، التشريحية، وصولا إلى البنيوية التوليدية، التي فتحت «النسقي»، على «السياقي»، وهذا ليس مرده في حد ذاته إلى ما واجهه البنيويون، من ثورة نقدية فحسب، بل إن مرده أيضاً إلى طبيعة العلم، وفلسفته وغائياته، حتى في حال عجز العلم عن «التفسير»، الذي سيجعله بالضرورة عاجزاً عن التنبؤ، ومن ثم التَحكم، الذي يعد (الحُكْم) على النص شكل من أشكاله.
هنا يأتي دور واحد من أهم الرهانات، على الموت أو الحياة، وهو الرهان على «النظرية» النقدية، لما تشترطه من منهجيات، وأدوات، واستقراء لمتغيرات تفترضها، وتسعى إلى قياسها، ومن ثم التوصل إلى نتائج تؤسس لتراكمية علمية، ومعرفية؛ ولن أحط الرحال هنا عند مسألة ما تزال محل النزاع لدى فريقين، الأول أرباب النقد الثقافي؛ وآخر والآخر أصحاب النقد الأدبي، الذي يرى النقد أياً كان تقادمه أو تقدمه، نقد بالضرورة للثقافة، ومن ثم فنحن أمام مقولة (بارتية)، من نوع آخر، إلا أن هناك من الظواهر النقدية، مالا يمكن للفريقين التطرف حوله في الرؤية والرأي، التي تتمحور في ماهية النقد، ووظيفة الناقد، مع الاحتفاظ أيضا بوجهة الفريقين (المتباينة)، بأن أنصار النقد الأدبي يرون النقد خادماً للنص، خدمة وظيفية، منها ما يتصل بالوظيفة «الفنية» الجمالية، التي تتفرع إلى وظائف تدرس الشكل، وأخرى تدرس المضمون من جانب؛ ومن جانب آخر، وظيفة «عملية»، تتفرع إلى جملة من الوظائف، التي ينهض بها النقد، تجاه، الكاتب، والكتابة، والقارئ، والحياة الأدبية والإبداعية عامة؛ فيما يرى الفريق الآخر أن النقد مسْتخدماً للنص لا خادم له، لنخرج بعد تقرير هذه الوقفات، إلى ما هو شائع تحت هذه العناوين: قراءة، عرض، تحليل، التي ربما بادرت القارئ بالحكم على غياب النقد، الذي يعلن «بارتية» جديدة!
* نسيتُ أن أسأل «بارت» من يموت أولاً: المؤلف أم الناقد؟!
** **
- محمد المرزوقي