أ.د.عثمان بن صالح العامر
كثيرًا ما راودتني فكرة التأليف، بل إنني في سنوات انقضت شرعت بالفعل في الكتابة العلمية المتخصصة، ولكن مع كل مشروع أبدأه يصرفني عن إكماله صارف أو يوقفني في وسط الطريق عارض فتكون الرفوف مثواه الأخير، ومع عودة السؤال الذي يطرحه عليّ المجتمع الأكاديمي القريب مني أعود مرة أخرى - وقد انبعث الهمة وقوية الإرادة - لهذه المشاريع ساكنة الأدراج، أو أفكر بمشاريع بحثية جديدة تصلح لأن تكون كتاباً مقروءاً للعامة والخاصة على حد سواء، وسبحان الله سرعان ما يأتيك الإحباط من جديد حين تسمع حكايات من حولك ممن ألفوا وطبعوا وسوقوا لكتبهم بأنفسهم فضلاً عن غيرهم وحاولوا أن يجدوا طريقاً للقارئ بكل السبل والوسائل ولكن دون جدوى وبلا فائدة تذكر، يتحسرون على الجهد والوقت والمال الذي انفقوه من أجل أن تصل فكرتهم التي كدوا أذهانهم في استخلاصها ومن ثم صياغتها في قالب علمي رصين علها أن تسهم ولو باليسير في مساراتنا التنموية أياً كان هذا المسار الذي تصب فيه.
يذكر لي زميل عزيز هذا المساء أنه بذل جهداً مضنياً استمر لمدة تزيد على الثلاث سنوات في تأليف كتابه الأول وكان فرحاً كل الفرح بالإنجاز، مزهواً بكلمات الشكر والإعجاب التي قيلت له حين عرّف به المجتمع الأكاديمي القريب منه والمحيط به، الأمر الذي شجعه للمسارعة في طباعته على حسابه الخاص، وما أن قذفت به المطابع حتى توجه لمكتبة جرير من أجل تسويق وتوزيع عدد من باكورة إنتاجه العلمي العزيز على نفسه الساكن عقله المغازل لقلبه، وبالفعل صار على رفوف هذه المكتبة العملاقة، وضمن منظومة الكتب الموجودة في أجهزتها الحاسوبية المنتشرة في جميع مناطق بلادنا الحبيبة، ولكن للأسف بعد أكثر من عام ما زال الحال كما كان، والنسخ على الأرفف وفي قوائم الموجودات. يستشيريني - وأنا الوجل الخائف من مثل هذا الأمر قبل أن يمر بي - ماذا أفعل؟، وكيف لي أن أهدي البقية التي ضايقني واتعبني نفسياً مشهدها اليومي الذي أمر عليه ذهاباً وإياباً، صباح ومساء، حيث لم أجد مكاناً يليق بهذا الكنز الثمين عندي إلا زاوية بيتي الذي تشهد كل أركانه وممراته وحجره على سهري وتعبي من أجل أن يرى هذا النتاج الفكري النور؟، ومع أن صاحبي مقتنع أن هذا الوضع طبيعي في ظل جائحة كورونا التي عطلت كل شيء حتى القراءة وأثرت بالطبع في سوق الكتاب إلا أنني شخصياً أعتقد أن الأمر أبعد من ذلك جراء متغيرات عدة وبسبب مؤثرات مختلفة ليس هذا محل الحديث عنها، ولذا نصيحتي لنفسي ولكل أكاديمي أو مثقف قبل أن يشرع في التأليف عليه أن يقرأ السوق جيداً وإلا سيكون الثمن عليه باهظاً (جهداً ووقتاً ومالاً) وإلى لقاء والسلام.