سهوب بغدادي
احتفت وزارة الثقافة بشعار مبادرة «عام الخط العربي» عبر عرض رقمي مرئي اعتلى قمة جبل طويق في العاصمة الرياض، بهدف تعزيز الصورة الذهنية بتحويل الخط العربي من وعاء ثقافي إلى أيقونة تمثل عنصرًا ينعكس على الهوية الثقافية للمملكة بكونها المصدر التاريخي للثقافة العربية. كما شهدنا في وقت غير بعيد إطلاق وزارة الثقافة بالتعاون مع وزارة الداخلية والمديرية العامة للجوازات، ختم «عام الخط العربي»، على جوازات سفر القادمين إلى المملكة عبر مطارات الرياض، وجدة، مع إضافة الترجمة باللغة الإنجليزية لتكون الرسالة جلية لغير متحدثي العربية. فضلاً عن إعلان الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، مشاركة القطاع الرياضي في مبادرة عام الخط العربي بالتعاون مع وزارة الثقافة من خلال تعريب أسماء اللاعبين على قمصان الأندية المشاركة في دوري كأس محمد بن سلمان للمحترفين. مما سبق، نرى أنها مبادرات طيبة وتصبو إلى قضية جميلة، إلا أن العنصر الأهم الذي يجب أن يشارك في المبادرة، هو المواطن، فكل فئة قد تكون معنية بطريقة مختلفة للمساهمة في المبادرة أو الاستفادة منها بشكل مباشر، ومن أهم الفئات الطلبة في المدارس، حيث يعاصر الجيل الجديد الثورة التقنية مما جعل الحبر يتحول من سائل إلى إلكتروني آخر خالٍ من الهوية الشخصية، قديمًا كنا نستطيع تمييز الخط وربطه بصاحبه، علاوة على انعكاس الكثير من المدلولات عن وضع وشخصية وحالة الفرد، على سبيل المثال، يعكس الخط عمر الإنسان، سواء كان طفلاً أم بالغًا، أيضًا يبين ما إذا كان الشخص عجولاً أم متأنيًا، كما نعرف جميعًا خط الطبيب المشفر الذي يتسم بعدم الوضوح، ولهذه الظاهرة مدلولات باعتبار امتداد سنوات دراسة الطب باللغة الإنجليزية أيضًا، كون المصطلحات الطبية والأدوية والمركبات ترجع إلى اللغة اللاتينية، لذلك تسهم هذه المعطيات في تقهقر جودة وجمال الخط العربي للأطباء! كما هو الحال الآن مع المعطيات التي تشكل تحديًا أكبر للأجيال الراهنة والمستقبلية مع وجود الحاجة الملحة للكتابة باليد خلال جنبات اليوم، فالهواتف النقالة وصفحة الملاحظات الإلكترونية وأجهزة الحاسب أعطتنا خيارات مريحة فعلاً ولكنها تؤثر في جودة الخط العربي. أكبر دور وزارة الثقافة وجميع الكيانات المشاركة في هذه المبادرة الجميلة، إلا أنني أتمنى أن تستمر هذه المبادرة لعام إضافي لأن الجائحة العالمية المتمثلة بتفشي فيروس كورونا المستجد -حماا الله وإياكم- ساهمت في ابتعاد الطلبة عن الصروح التعليمية، إذ كان من الأفضل أن تشارك وزارة التعليم في مبادرة عام الخط العربي بشكل مباشر، من خلال تشجيع الطلاب على اقتحام غمار الخط العربي عبر المسابقات رفيعة المستوى وتخصيص حيز أكبر لهذا الفن خلال العملية التعليمية، إلا أن الجائحة فرضت استمرار التعليمم إلكترونيًا، مما يعرقل المبادرة للأسف، لذا تمنيت حقًا أن يشارك الجميع في هذه المبادرة بشكل فعلي كعمل المسابقات للمواطنين واستقطاب أشهر الخطاطين من العالم العربي، وما إلى ذلك. إن التحركات الآن متأنية ومعدودة إلى أن نتخطى الأزمة بنجاح بإذن الله الحفيظ. بالرغم من كل ما سبق ذكره، أجد أن الفرصة لا زالت مناسبة لإشراك المجتمع في مبادرة عام الخط العربي بطرق إبداعية، وفي هذا الأمر تفاصيل عديدة لا يسعني ذكرها في هذا الموطن.
(بابلو بيكاسو) «إن أقصى ما وصلت إليه في فن الرسم، وجدت الخط العربي قد سبقني إليه منذ أمد بعيد».