د. محمد بن إبراهيم الملحم
استمرارا لحديثي عن نتائج دراسة تيمز TIMSS 2019 حول العلوم والرياضيات والدور الذي يجب أن نمنحه لنتائج هذه الدراسة (وما سبقها من دراسات وكذلك دراسة منظمة أو إي سي دي OECD) حول التعليم في المملكة، وإشاراتي حول أهمية العلوم والرياضيات في خلق اقتصاد المعرفة Knowledge Economy فإن تدريس العلوم والرياضيات يجب أن يأخذ اهتماماً أكبر مما هو عليه إن أردنا أن تتحسن مستويات أجيالنا القادمة لقيمة أكبر مما هي عليه اليوم، فمع أن لدينا خريجين متميزين (وبجهودهم الذاتية وتميزهم الشخصي) إلا أن عدد هؤلاء قليل جدا لا يساعدنا على حالة التحول Transformation ، بينما يفترض أن تتكون لدينا قاعدة كبيرة من المتخصصين الذين يوثق بقدراتهم العلمية في كل المجالات ليتسنى للمؤسسات التنموية أن تطمئن إلى وفرة الموارد البشرية المحلية الكافية لإطلاق مبادرات نوعية جديدة وهذا لا يكون بجهد الطالب الفردي وقدرات أسرته التعليمية أو المادية وإنما بأداء المؤسسة التعليمية وأذرعها التربوية التي هي المدارس ومن فيها من المعلمين والمربين.
تجويد تعليم العلوم والرياضيات هو الأولوية العظمى في هذا الشأن وهو ليس جديدا، فقد اهتمت الوزارة بذلك في السبعينات عندما أنشأت مراكز العلوم والرياضيات لتخرج معلمين متخصصين من أبناء الوطن، وكذلك توسعت الجامعات في كليات التربية والعلوم، وتبعه تطوير مناهج الرياضيات والعلوم مرات عديدة جدا. كما شهدت الثانويات المطورة رحمها الله وغفر لها طفرة نوعية في محاولات لحصولها على معامل علوم حديثة ومن نوع خاص، يتماشى مع الموضوعات الجديدة التي دخلت إلى مناهجها مثل الديناميكا الحرارية والالكترونيات مثلا، صحيح أن ذلك لم يستمر ويثمر لكني أقول إنها إشارة إلى وجود الاهتمام والشعور بأهمية هذه المواد لاقتصاد الوطن ورأس ماله البشري.
اليوم نعلم جميعا (وكلنا كنا على مقاعد الدراسة يوما ما قريب عهد أو بعيد) أن معامل العلوم قليلا ما تستخدم، إما لعدم توافرها في حالات المدارس النائية أو لعدم اكتمال تجهيزاتها في مدارس أخرى أو لعدم توافر محضر المختبر الجيد في مدارس اكتملت تجهيزات مختبراتها أو لعدم اهتمام المعلم في كثير من المدارس مع الأسف. ومع ذلك فإن المعلم الذي يهتم بأخذ طلابه للمختبر يعاني أحيانا من عدم كفاية المواد لكي يتمكن كل طالب من إجراء التجربة أو كثرة الطلاب وقلة انضباطهم وصعوبة السيطرة عليهم في المختبر، مما يجعل المعلم يزهد في أخذ طلابه للمعمل المدرسي حتى لا يعرض نفسه لمساءلة إدارة المدرسة عن كثرة الحركة!
تحديات كبيرة أمام تعليم العلوم، ومثلها أمام الرياضيات، أبرزها طول المنهج وعدم احتوائه كثرة التدريبات مركزا على تقديم المحتوى فقط، وكل ذلك يؤدي في النهاية إلى مخرجات ضعيفة يقوم أداؤها في هاتين المادتين على الحفظ والتكرار وفي أحسن الحالات التطبيق المباشر للمفاهيم المدروسة في أمثلة مشابهة تماماً لأمثلة التدريس فقط ولا يوجد تفكير تأملي أو قدرات استنتاجية أو حس نقدي، فكل ذلك ليس له مساحة في ممارسات تعليم العلوم والرياضيات لدينا مع الأسف.
كل ذلك مع النتائج المنخفضة لتيمز TIMSS العلوم والرياضيات ولعدة دورات يعني ضرورة التحرك السريع إن أردنا أن يرتقي طلابنا في هاتين المادتين، فلدينا «تقصير « بدون شك، وإضافة لما ذكرته سابقا عن تجويد المنهج ورفع كفاءة المعلمين من خلال الجامعات والتدريب على رأس العمل فإن الاهتمام بالمختبرات والورش وتحسين وسائط التدريس وتطويرها بأحدث التطبيقات والأجهزة التي تتطور كل يوم هو ضرورة مهمة جدا وتحتمها حاجة موضوعات الرياضيات والعلوم إلى الخيال والتصور وإدراك المفاهيم المجردة بصورة ملموسة تساعد على الفهم والاستيعاب، كما أن تحقيق المعلم للتدريس القائم على الاستنتاج يتطلب هذه الموارد ليستخدمها في الاستراتيجيات القائمة على التطبيق والتجريب، والملاحظة والنقد، والتجربة والخطأ، وما لم تتوافر المواد اللازمة لذلك، وما لم يتوافر التدريب الكافي لاستخدامها، وما لم يتم حشد الطاقات الإشرافية والتقييمية والتشجيعية لدعم ذلك فلن يحدث المعلمون التغيير المنشود بدونها.
الرياضيات في كثير من موضوعاتها وخاصة في المراحل التأسيسية في الابتدائية والمتوسطة بحاجة إلى تفسيرات مادية للمعاني المجردة وهذه لا يقدم للطالب تمثيلا بصريا ملموسا أفضل من الوسائل الإبداعية والبرامج التشبيهية والأفلام التوضيحية، ويظل اجتهاد المعلم، مهما كان متمكنا في مادته، قاصرا في كثير من الأحيان عن إيصال المتعلم إلى إتقان المهارات الاستنتاجية والفهم العميق لمدلولات الطرق الرياضية وأدواتها، ولكنه سيتمكن فقط من تطبيقها والتعامل معها بطريقة ميكانيكية آلية تقوم على حسن التطبيق، وهو ما يحقق به طلابنا اليوم درجات 99 و100 في اختبارات معلمينا لكنه لا يعني شيئا في مقياس الفهم والاستدلال الرياضي الذي يوصل إلى مستوى مرموق من التقدم العلمي، ونفس المبدأ ينطبق على العلوم أيضاً.
خلاصة القول إن الوسائل المعينة على تعليم متميز للعلوم والرياضيات تحتاج إلى التفاتة وعناية خاصة وذلك من الجانب النوعي بالدرجة الأولى وعلى جميع الأصعدة، ومن الجانب الكمي في مجالات الاحتياج.