د. عبدالرحمن الشلاش
تتكون حياة كل واحد منا من تفاصيل وجزئيات صغيرة تؤثِّر على مجريات الأمور بالنسبة لنا، بل ربما تشكِّل حياتنا بالكامل وتحدِّد نمط علاقاتنا بالآخرين. نهتم بجزئيات كبيرة ونحتاط لها ونترك التفاصيل الصغيرة لا نلقي لها بالاً ولا اهتماماً وكأننا لا نعلم أن معظم النار من مستصغر الشرر, أي أن الشرارة الصغيرة قد تؤدي إلى نار عظيمة تحرق الأخضر واليابس. يقول «ستيفن كوفي» إن حادثة بسيطة جداً تتمثَّل في كسر طفل صغير لكأس ماء إذا لم يتم التعامل معها بحكمة وإنما كانت ردة الفعل حولها عنيفة قد تؤدي إلى مشاكل كبيرة داخل الأسرة.
هذا الذي أشار إليه عالم تطوير الذات «ستيفن كوفي» يُعرف بالذكاء العاطفي أو الانفعالي, وأن الشخص الذكي انفعالياً هو من يتمكَّن من السيطرة على انفعالاته أمام تلك التفاصيل أو الجزئيات الصغيرة. أتعجب من إنسان يثور لأتفه الأسباب مثل هذا الشخص يعرِّض نفسه لمشكلات صحية مثل الضغط والسكر والتشنجات, ومشكلات اجتماعية، حيث تؤدي تلك التصرفات لقطع العلاقات مع الآخرين والزعل وغيرها من الأمور.
تفاصيل وجزئيات صغيرة جداً قد تعصف بحياتك وتتكرَّر في حياتنا اليومية نحتاج إلى التدرّب لزيادة قدراتنا على السيطرة عليها أو تجاهلها. السيطرة تتطلب ضبط الأعصاب مثلاً والتفكير بعواقب الأمور لأن مشاجرة بسيطة أو ممازحة ثقيلة جداً قد تتطور مع انفلات الأعصاب إلى تشابك شرس ومع الغضب قد يؤدي إلى كوارث, وكم من حالات إطلاق نار وقتل كانت بدايتها من تفاصيل صغيرة, ومواقف كان بالإمكان غض النظر عنها وتجاوزها.
تستغرب من أشخاص مثقفين ولديهم معرفة وبعضهم كبار في السن لا يستطيعون السيطرة على ردود أفعالهم حيال أفعال بسيطة جداً مثل فلان مرَّ ولم يسلِّم علي, وقريبي لم يقدِّم لي دعوة لحضور زواج ابنته. قد تمتد الأمور للتعامل مع الأبناء فتجد الأب أو الأم يثور لأي تصرف حتى ولو كان بسيطاً أو غير مؤثِّر رغم أن الأمر لا يحتاج لكل هذه الثورة.
لأننا نفتقد للصبر والقدرة على التحمّل نلجأ إلى أسهل الطرق للحل فنشتم أو نضرب أو نتناول أي شيء قريب منا لنقذفه بقوة على المخطئ. رغم أننا مطالبون بحسن النيَّة إلا أن بعضنا يغلب سوء الظن فيتهم ويشكك. كثير من حالات القطيعة والزعل والطلاق والعقوق سببها عدم القدرة على السيطرة على التفاصيل الصغيرة والتي تعصف بحياتنا وتعكر صفوها رغم أن تجاهلها أمر ميسور لكن يحتاج لمزيد من التدرب لتعديل السلوك.