سمر المقرن
من يستعجل قطف العنب قبل نضوجه يأكله حامضاً.. والتسرّع يضغط على العقل ليصل لحل غير مدروس، وعواقبه غير مأمونة، وينضم إلى ضحايا التسرّع وهم بالملايين. عكس السرعة التي تصدر بعد دراسة، وهي مطلوبة في عدة مواقف أهمها إغاثة الملهوف وإنقاذ إنسان والقيام بالواجبات وأداء الأعمال على أكمل وجه. أما التسرّع فيشل العقل عن التفكير فتكون النتائج كارثية مثل التسرّع في الحكم على الآخرين، فالظل لا يعكس الحقيقة دائماً، فقد يظلم عزيزاً ويرفع رخيصاً أو يكرم لئيماً ويحرم كريماً وغيره من عواقب التسرّع في الحكم على الآخرين.
والشخص المتسرِّع يجني على نفسه قبل الآخرين، وتحضرني في هذا الوارد قصة كانت قد مرت عليّ عن رجل حطاب كان يعيش في كوخ مع طفله الصغير وكلبه، وذات مساء عاد من عمله وفي يده بندقية وأمام باب الكوخ وجد الكلب يلهث وفمه مخضب بالدماء فظن أن الكلب التهم ابنه الصغير فأطلق عليه نيران البندقية وأراده صريعاً في الحال ثم دخل الكوخ ليجد طفله يلهو على فراشه وبجواره حيَّة كبيرة لقيت حتفها بعد معركة مع الكلب الذي كان ينبح فرحاً لإنقاذ الطفل، وتسرَّع صاحب الكوخ وقتله. في هذه القصة وغيرها درس في عدم التسرّع بالحكم على الآخرين خصوصاً من نثق فيهم، والأصح دائماً أن يكون هناك «حوار» لنعرف وجهة نظرهم قبل إصدار الحكم. فكم من بيوت هدمت وأزواج تفرَّقوا وصداقات أريقت دماؤها وعلاقات أسرية تمزَّقت أوصالها نتيجة التسرُّع!
وهذا يعني أن الندم لن يفيد، فالتسرُّع جهل وحماقة وغضب أرعن وعصبية سابقة التجهيز تهلك العلاقات الإنسانية وتهتك الأرواح من الداخل وتنتج الفشل أو الحرج أو الندم، وكذلك زعزعة الثقة وهي خيارات كلها مرّة وصعبة، ناهيك عن أنه يضيع الوقت والجهد ويصيب بالغم والإحباط!
حتى في كل إحصاءات حوادث المرور في العالم تحمل السرعة والتسرُّع النسبة الأكبر في الحوادث المؤسفة على الطرق!
ما أجمل الهدوء والتمهّل.. فلا يمكن أن نرى صورتنا في الماء المغلي قبل أن يبرد.. والفراشة رغم جمالها حشرة.. والصبار رغم قساوته زهرة!