عبدالوهاب الفايز
المستقبل المتميز الواعد بالفرص الذي تنتظره مدينة الرياض، طبقاً لما أعلنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يحفظه الله، يتطلب الاستعداد الواسع المكثف من الوزارات والهيئات الحكومية ومن قيادات الإدارة المحلية في المدينة للعمل على تحقيق المستهدفات الكبيرة لتكون الرياض قوة اقتصادية محلية وإقليمية.
لقد تحدث سمو في مبادرة الاستثمار الخميس الماضي عن أبرز ملامح وأهداف الإستراتيجية الجديدة لمدينة الرياض التي سوف تجعلها، بحول الله، من بين أكبر عشر مدن في العالم. ومشروع التنمية الطموح للعاصمة تتوافر له المقومات التي تساعد وتضمن أن تكون الرياض بالمستوى الحضاري الذي يجعلها الواجهة المشرفة لبلادنا، وللعواصم العربية والإسلامية.أبرز القوى الإيجابية الدافعة للتغيير نجدها في (الإرادة السياسية والرؤية الطموحة) للقيادة لإعادة بناء المدينة عبر استثمار الآليات والتجارب لإدارة المدن الكبرى، وعبر تطبيق الأدوات الناجحة لاقتصاديات المدن. لقد شهد العالم في العقود الماضية تجارب ناجحة لإعادة بناء العواصم الكبرى التي كانت تعاني مشكلات هيكلية رئيسة، واستطاعت أن تقلب التحديات إلى فرص، وتحل مشكلاتها المالية والديمغرافية والبيئية.
الرياض تستقبل هذا المشروع الطموح ولديها رصيد كبير من الإنجازات، فمشاريع البنية الأساسية في العاصمة توسعت في السنوات الماضية، وفي مقدمتها مشروع النقل العام بكل مكوناته، وهو يقترب من الانتهاء ويؤسس القاعدة للتوسع مستقبلا في مسارات المترو والحافلات، وسوف يكون له دور محوري في تسهيل الحركة في العاصمة.
أيضاً إطلاق برنامج الرياض المدينة الإنسانية قبل عشر سنوات، بمشاريعه المتعددة مثل إعادة بناء الأرصفة، وتوسيع الرقعة الخضراء وتطوير الساحات والحدائق، سوف يساعد على سرعة الاستيعاب والتفاعل مع الأهداف الاستراتيجية الطموحة للعاصمة.
أيضاً الموقع الجغرافي للرياض يجعلها قريبة من مناطق النمو الاقتصادي، ومن مناطق الثروات الطبيعية، والآن ترتبط بشبكة من الطرق وخطوط السكك الحديدية. كذلك توفر الكفاءات البشرية القادرة على إدارة المشاريع الكبرى سوف تساعد على قيادة وتنفيذ المشاريع الكبرى المقبلة. أيضاً يدعم هذا التوجه لبناء الرياض الكبرى استمرار المشاريع الحكومية الضرورية المخطط تنفيذها في العاصمة لرفع كفاءة الخدمات في العاصمة.
هذه الممكنات الفعلية الإيجابية التي بيدنا، يقابلها تحديات رئيسة. من أبرز التحديات موضوع (استهلاك المياه)، فمدينة كبرى بسكان متوقع أن يصل عددهم إلى 15 مليون نسمة سوف يجعل مستقبل إستهلاك المياه تحدياً رئيساً لنا جميعاً، ويتطلب المعالجة والاهتمام الذي يستوعب ويقلل مخاطر توسع الطلب على المياه. العاصمة يتدفق عليها أكثر من مليون وثمانمائة ألف متر مكعب من المياه يومياً. هذا الرقم الكبير، كما يشكل تحدياً في الاستهلاك.. أيضاً يقدم فرصة لتنمية الاستثمارات في المعالجة وإعادة التدوير. من التحديات للمدينة ضرورة سرعة معالجة (الأحياء العشوائية) القائمة التي اتضحت مخاطرها العديدة في بداية الجائحة، حيث اكتشاف البعيدين عنها أن ثمة عوالم أخرى في العاصمة تعيش في واقع غريب وخطير على المدينة وسكانها. أيضاً من التحديات ضرورة مواجهة (المصادر الرئيسة الملوثة للبيئة). نحتاج نظاماً متطوراً لإدارة النفايات وتحويلها إلى طاقة نظيفة، ومصدراً لصناعات إعادة التدوير. هذا يتطلب وضع انظمة صارمة لسلامة الانبعاثات من المركبات، وهذا الجانب مع الأسف لم نسجل فيه أي خطوة نجاح، فالمركبات الملوثة نراها كل يوم في شوارعنا. ربما نحتاج منع سيارات الديزل بشكل نهائي من العاصمة. كذلك نحتاج وضع خطة للقضاء على الأعمال والأنشطة ذات (الاستخدام الكثيف للعمالة الأجنبية غير الماهرة)، والتوسع في استثمار التكنولوجيا والذكاء الصناعي، وأول قطاع هو محطات الوقود. من الأمور الضروري وضع هدف استراتيجي للقضاء التدريجي على (التطوير الفردي للمنشآت السكنية)، وتشجيع مشاريع التطوير العقاري، فالآثار والأضرار السلبية الواسعة والممتدة تبدأ من صاحب المنزل الذي يتكبد خسائر ربما تتجاوز ثلث تكلفه الوحدة السكنية، وتمتد إلى سكان المدينة. الوحدة السكنية الفردية غالباً تحتاج ثلاث سنوات لإتمام البناء، وخلال هذه المدة تبقى النفايات في الشوارع وتتحول إلى حالة عادية يتألف معها السكان ويتحملون أذاها. التطوير الفردي هو الذي يرفع حركة الشاحنات داخل المدن، ويعد أحد مصادر مخلفات البناء الملوثة والمشوهة للعاصمة.
وضع هدف استراتيجي للبدء في برنامج يطور الاشتراطات والمتطلبات للارتقاء بمفاهيم وممارسات (بيئة العمل)، بالذات تطوير الآليات التي تشجع على الاعتناء بالمساحات والمكاتب الصديقة للبيئة والصحية، وأيضاً الاهتمام بتطوير الآليات للعمل من المنزل حتى نقلل الحركة في المدينة.
هذه الأمور الحيوية لمستقبل الرياض نتمنى العمل عليها، وكل من يسكن الرياض واجبه أن يسأل: كيف أكون مشارك في النجاح؟