علي الخزيم
اللُّعاب سائل فَمَوي لا يصدر من ذات نفسه؛ فهو نتاج تفاعل مشاعر ورسائل بين الدماغ وغدد رئيسة وما دونها خُلقت برأس الإنسان كالغدة النكافية وهي الغدد اللعابية الأكبر ومنها السطحي والعميق وبينهما عصب الوجه الذي يتولى مهام حركات العيون والحواجب والشفاه، وسبحان من ربط كل هذه القنوات بروابط ووشائج محكمة تستجيب لمنبهات المشاعر وأوامر الدماغ بنسق مُتقن منضبط وبغاية الإعجاز الإلهي، ويعتقد البعض أن مُفردة (سُعبُول) عامِّية وهي عربية فصيحة؛ السعبول: اللعاب وجمعها سعابيل، وسَعْبَل: الفعل من سعبول، ويكون القرار صعباً لأنه إنما كان بدوافع الشعور بالرغبة بما نظرت له العين واستُثِيرت من أجله المشاعر ووصل الخبر للدماغ فدرس المسألة بجزء من الثانية بما وهبه الله من قدرة عجيبة؛ فقرر ما يلزم وبعث بذلك للغدد والجوارح بما يمكن فعله، فاللعاب هو مرحلة متأخرة نسبياً تنبئنا بالنتائج وتزوّدنا بنسخة من القرار المُتَّخذ، فهل نُنَفِّذ أم أن هناك وقفات ومحاذير؟!
نعم؛ فالعقل أصدر قراره، غير أن الإنسان مُزوَّد بفضل الخالق بالبصيرة وملكات القياس والتأمل بمآلات الخير والشر، والنفع والضرر، فالعقل لا يجبرك على شيء؛ إنما يُعرِّفك عليه والخيار لك بين الأقدام والأحجام، فلو أن عينك أبصرت بنهار رمضان وبذروة حرارة الصيف فواكه وعصائر مُبردة فهل ستطاوع مشاعرك المستثارة ولعابك الجامح وتلتهم ما أمامك إرضاء لهذا الشعور؟ لا يمكن ذلك لأن قناعة مُسبقة وإيماناً يحيط قواك وحواسك ويُكبِّلها بالتعاون مع إملاءات العقل لئلا ترتكب مثل هذا التهور، ومثله حين تكون أمام حالة تستدعي التدخل لفعل خير أو منع شر ولكن الشعور المندفع نحو ذلك يُلجِمه العقل المنضبط والقناعات الأكيدة بان هناك أنظمة وقوانين تحكم المسألة ليتولاها مختصون يعرفون كيفية التعامل الأنجع معها، فلا تُترك الأمور للانفعالات والاجتهادات.
وتختلف ردود الفعل أمام المواقف الداعية لعمل الغدد اللعابية وإفرازاتها، فالموظف بمصنع حين تُحدِّثه عن أطايب الطعام قبيل الساعة الثانية عشرة ظهراً سيسيل لعابه حتماً، غير أن هذا اللعاب لن يُندى لسانه حين تُبرز له شطيرة الجبن المعتادة بمثل هذا الوقت، ويماثل هذا اختلاف العادات والسلوكيات الغذائية؛ فالأعرابي ساكن الصحراء يتلذذ بأكل الجراد المقرمش والأرنب البري والضب السمين، لكنه ربما يتقزَّز من منظر الجمبري والروبيان والأستاكوزا مشوية أو مقلية، وبتقديري أنه لو استطعمها سينافس الآخرين عليها (إن استطاع)! فآكلو الجراد يتلذذون بها وغيرهم يتندرون عليهم بأنهم يأكلون الحشرات فيما يأكلون هم ببلادهم أصنافاً من الخنافس والصراصير والخفافيش، ولم يتركوا كائناً حياً متحركاً بالبر والبحر الَّا قضوا عليه، ويرى مختصون بالغذاء أن الحشرات ربما تكون الغذاء المستقبلي للبشر نظراً لسهولة ورخص إنتاجها، ووفرة البروتينات ببعضها، وقلة آثارها على البيئة، فقد قرأت مؤخراً أن هيئة تنظيمية صحية أوروبية قد أعطت الضوء الأخضر لاستهلاك الأطعمة المشتقة من أنواع من الحشرات، ما يمهد لاتخاذ قرارات قادمة باعتماد الحشرات كأطعمة للإنسان الأوروبي، أما نحن فيأمرنا القرآن الكريم: {كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ}... (طه: 81).