الهادي التليلي
تحت شعار النهضة الجديدة كانت أسئلة مستقبل الاستثمار ما بعد كورونا، والنسق التنموي العالمي المأمول بعد خروج البشرية من هذه الجائحة، وجودة الحياة والمناخ الاستثماري للكون الذي يريد له الجميع أن يكون مراعيًا للبيئة وصحة الإنسان، منميًا في استحقاق الموارد البشرية في مقاومة البطالة، وموفرًا أسبابًا ترفيهية، تشبه طموحات الإنسانية وهي خارجة من حرب كونية ضد جائحة فعلت بالبشرية ما فعلته الحرب العالمية. هذه وغيرها كانت مشاغل مبادرة مستقبل الاستثمار INVESTMENT INITIATIVE FUTUR في دورتها الرابعة التي ضمت كلاً من الرياض ونيويورك وباريس وبكين ومومباي خلال يومي 27و28 يناير الماضيَين.
دورة تحدت الجائحة، واستطاعت رغم التباعد أن تنعقد بالشكل المراد لها بفضل ما أصبحت تتوافر عليه السعودية البلد المنظم من قوة تكنولوجية، تسمح لها باستقبال هذا الحدث وغيره؛ فكانت منهجيًّا متوزعة على قسمين: الأول: خارجي، أي يشمل نيويورك وبكين وباريس ومومباي، بحضور أكثر من 100 مشارك بوسائل التواصل الحديثة. والقسم الثاني سعودي بالرياض، بمشاركة ما يفوق 50 متدخلاً.
ولعل اللافت للانتباه أكثر في فعاليات هذه المبادرة هو المداخلة الثورية لولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان، التي أعطت دفعًا آخر للمنتدى من خلال ما قدمه من طرح وإجابة لمحاوره رئيس وزراء إيطاليا الأسبق ماتيو رينزي متحدثًا عن الآفاق الواسعة لمدينة الرياض التي ينتظرها مستقبل واعد من خلال رؤية الرياض 2030 التي سيعلن عنها قريبًا؛ إذ إن ولي العهد السعودي ملهم الشباب العربي والعالمي قدّم مفاجآت سارة من العيار الثقيل لأهالي الرياض مواطنين ومقيمين، الذين ينتظرون تدشين مترو الرياض العام القادم؛ إذ ستسهم الرؤية في تحويل الرياض العاصمة من الـ40 عالميًّا إلى المرتبة العاشرة من حيث جودة الحياة، خاصة أن لها مميزات تسمح لها بذلك مثل كونها تسهم بـ50 في المئة من اقتصاد البلاد، وتكلفة الوظيفة فيها أقل بـ30 في المئة من غيرها.
رؤية الرياض التي ستشمل جوانب عمرانية وبيئية وثقافية تعد تواصلاً مع ما قدمه الملك سلمان من جهود تنموية كبيرة أيام كان أميرًا للرياض، كما تعتبر تحقيقًا لتطلعات أبنائها والقائمين عليها؛ لتصبح قطبًا حضريًّا واقتصاديًّا عالميًّا.
وإضافة إلى ذلك كانت المشاركات الداخلية والخارجية، التي شملت صنّاع القرار وأصحاب الكيانات الاقتصادية العملاقة وأصحاب المبادرات الاستثمارية من الشباب الواعد، حالمة ومؤثرة في حاضر ومستقبل العالم بعد كورونا؛ إذ كانت المبادرة فرصة لتبادل وجهات النظر حول مختلف الزوايا للبيئة الاستثمارية ما بعد كورونا، والحاجة إلى نهضة جديدة شبيهة بالتي حصلت إبان الحرب العالمية الثانية؛ فكان اليوم الأول مجالاً لطرح سؤال الاستثمار المسؤول، ودور الذكاء الاصطناعي لبناء نهضة جديدة وثقافة تنموية مغايرة، تراعي ضرورة نمو الوظائف والرعاية الصحية والتغير المناخي. فيما كان اليوم الثاني سؤال الاستثمارات التي يفتحها مجال الفضاء على المستثمرين الواعدين ورواد الأعمال الناشئين ودور الذكاء الاصطناعي في إعادة إحياء الاقتصاد العالمي بعد الجائحة. فعمق الأسئلة المطروحة، وتشارك المهتمين بهذا الآن بعدد من العواصم المذكورة، جعل من المبادرة محور اهتمام قيادات دول السعودية وأمريكا وفرنسا والصين والهند الشريكة في نجاح المبادرة بالعالم، وكيف ستكون جودة الحياة والاستثمار فيها بعد كورونا.
حضور كل من ولي العهد السعودي ومحافظ صندوق الاستثمارات العامة ورئيس مجلس إدارة مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار ووزير الاستثمار السعودي وعدد من الوزراء المعنيين بهذا الشأن بعدد من العواصم العالمية المذكورة جعل من المبادرة مرآة تعكس مدى وعي قيادات الدول المشاركة في نجاح المبادرة بالعالم، وبرسالتها التاريخية كقوى اقتصادية مؤثرة في الإجابة عن سؤال كيف ستكون جودة الحياة في العالم؟ وكيف سيكون الاستثمار فيها بعد كورونا.
كذلك وجود قامات اقتصادية كرؤساء تنفيذيي شركات عملاقة، مثل «بلاك كوك» و»بريدج» و»كريدي سويس» و»سوفت بنك» و»بلاك ستون» و»ماهندرا» وغيرها، جعل من بيئة الاستثمار العالمية شريكة في الفكر والقرار المستقبلي قصد بناء مفاهيم جديدة، تستجيب لطبيعة المرحلة والتاريخ الذي جعلت منه كورونا نقطة، وقف على تخومها المشاركون متأملين الحاضر، ومستشرفين مستقبلاً أفضل يراعي الإنسان.
كما كان حضور رواد الأعمال وجيل الناشئة في مجال الاستثمار في يومي انعقادها فرصة للحلم بعالم مختلف واستثمار مغاير، يكون فيه الفضاء لا مجرد مجال استكشاف، بل بيئة استثمارية مدرة بالربحية، وضامنة لحماية الكوكب والإنسان بالرغم من التغيرات المناخية.
هذه الحوارات البناءة المخترقة لحدود الجغرافيا، والمتجاوزة لتهديدات فيروس كورونا التاجي، فرصة للأمل رغم الألم الذي تعانيه البشرية التي بدأ البريق ينعكس على تصوراتها بعد توافر اللقاحات التي لم يتمكن منها إلا أقل من واحد في المئة من سكان المعمورة.
هذه الندوة التي تأتي بعد قمة مجموعة العشرين، وتزيد المملكة نجاحًا على نجاح وهي تطرح أسئلة التنمية المستدامة، تطرح أسئلة الاستقرار والاستثمار، فكيف ننظر بعيون حالمة وأحلام وردية، يكون فيها للفضاء مساحة في التنمية وللاستثمار والروبوتات مجال للمعايشة، ومساهمة في القضاء على البطالة، لا الحد من فرص التشغيل.
وغول الحرب والفتن لم يحل ملفه بعد؛ فالأخطار التي تمثلها بعض الدول التي اختارت نهج الحرب ومعاداة الجيران، مثل إيران، ما زال قائمًا، ويشكل خطرًا على البيئة والاستثمار المستقبلي الذي يراهن على أن يكون بلا حدود. فهل يمكن أن نتحدث عن العالم المستقبلي الذي تكون فيه التنمية مستدامة بألف لام التعريف والعالم لم يتسامح مع بعضه ولم يعتبر من جائحة كورونا؟