عبده الأسمري
جذبته «العدسة» من «الهندسة» فتحول إلى «مهندس» الضوء.. و»مؤنس» الإنتاج الذي أقام «صروح» المشاهد المصورة.. أمام بصر «الناظرين».. وزامر «الضياء» الذي أيقظ «منامات» الصور من «سبات» الجمود إلى «إثبات» الصمود.. ورامز «العطاء» الذي كتب «تاريخ» الدهشة ببريق «الاحتراف»، وترك «إمضاء» البصمة بتوثيق «الإنصاف».
أغمض عينًا عن «الرقابة»، وفتح أخرى على «الجرأة».. فكان صاحب «الصورة» المتمردة.. ومالك اللقطة «المتجردة».. وصانع «المقالات»، وصائغ «المهمات» الذي تفنن في محاورة «التجارب»، ومسايرة «المآرب» التي سجّلت «اسمه» في متون «الوفاء» الوطني، و»السخاء» الاجتماعي.
إنه المصور الشهير والكاتب والصحفي صالح العزاز -رحمه الله- أحد أبرز المصورين المبدعين في الوطن والخليج.
بوجه قصيمي، تتوارد منه سكنات «التهذيب»، وتتقاطر منه سمات «التأدب»، وتعلوه ملامح «الابتهاج»، وتكسوه مطامح «الاعتزاز»، وتسكنه معالم «الابتسام»، وأناقة وطنية، وتشكيل شخصي فريد، يتكامل مع محيا قويم، وكاريزما ترفل بالألفة، وشخصية أنيقة في الشكل والجوهر مع صوت بلكنة قصيمية في مجالس الأسرة ومرابع القوم، ولهجة بيضاء في مناسبات العمل وأماكن المهام، ولغة عصماء في مواقع القرار ومواطن المهنية.. قضى العزاز من عمره سنين وهو يعزز «أسس» التصوير بواقع «التفكير» ووقع «التدبير»، ويسكب «المداد» في متون «الصحافة»، «ويسبك» «السداد» في فنون «الحصافة»، ويمد جسور «الوصال» في شؤون «الزمالة»، ويؤصل «قواعد» المحبة في شجون «الكتابة».. مصورًا محترفًا وصحفيًّا قياديًّا ومثقفًا إنسانًا، أبقى فصول «الإحسان» في مدارات «الذكر»، وترك أصول «العرفان» في مسارات «التذكر»..
في مدينة الخبراء الشهيرة بزف النبلاء إلى ميادين التنمية وُلد في مساء مفعم بالبشرى، تناقلت صداه أرجاء بلدته، ووصلت مداه إلى أنحاء عشيرته.. ونشأ بين أب حانٍ وأم متفانية، وركض بين تلال بريدة وفيافي عنيزة وحقول الرس مراقبًا «الزهد» في وجوه الصالحين، ومرتقبًا «الجد» وسط سحن الطيبين مدفوعًا بشقاوة «الطفولة» التي ظل يشتاقها في مراحل عمره مسجوعًا بحفاوة «البطولة» التي كان يجنيها في شهادات تفوقه..
تعتقت نفسه بمواسم الحصاد في محاصيل قريته، وتشربت روحه مراسم الوداد في اجتماعات عائلته.. فظل ثاويًا في أهل «النقاء»، مقيمًا في أصل «الوفاء»؛ فتشكلت «سيرته» الأولى من عفوية النفس، وتمثلت مسيرته المثلى من هوية الروح.. فكسب «رهان» الموهبة بقياس الأبعاد وإحساس الالتقاط؛ فحوّل «الصور» إلى مشاهد «ناطقة»، و»مناهج» سامقة.. في حديث تتناقله الألسن، وحدث تحفظه الأعين.
بعد أن أنهى تعليمه العام التحق بكلية الهندسة بجامعة الملك سعود، ولكنه تركها بعد أن جذبته صاحبة الجلالة إلى «البلاط» الماتع؛ فعمل بجريدة اليوم، وتنقل فيها عبر سلم المهنة حتى وصل إلى مدير تحرير، ثم رئيس للتحرير بالإنابة، وعمل في صحف ومجلات عدة مثل مجلة المجلة، والقبس، والشرق الأوسط، وغيرها، وامتهن كتابة المقالات والتحقيقات، وكانت له زوايا في صحف محلية وخارجية عدة.
امتهن التصوير باكرًا، وارتبط به، وكانت له الصورة الشهيرة التي التقطها لسيدات يقدن سيارات في الرياض عام 1990.
أقام عام 1996 أول معرض وسط الصحراء، وحصل على المركز الثاني في المسابقة العالمية لاتحاد المصورين العالمي في الصين عام 1997. كما نظم العزاز معارض شخصية عدة، منها معرض بلا حدود الذي أقيم عام 2001، وأصدر كتابًا يحتوي على صوره، مع تعليقات شعرية، كتبها الشاعر البحريني قاسم حداد بعنوان «المستحيل الأزرق» باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وألّف كتابي «الجنادرية والحدث» مع أحد زملائه، و»العودة إلى الأرض».
اكتشف صالح العزاز إصابته بالسرطان في صيف 2001 خلال إجازة كان يمضيها مع عائلته في أمريكا، وعولج في مستشفى هيوستن، ودخل في غيبوبة، نُقل على أثرها إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي، وتوفي فيه في 15 ديسمبر من عام 2002 عن عمر 43 عامًا، ودُفن بالرياض بعد نزال مع الأوجاع، كان فيها العزاز مثالاً للصبر، وعنوانًا للجبر، ومنبعًا للبسمة، ونبعًا للابتسامة رغمًا عن ويلات المرض الذي لم يوقف قلمه؛ فظل يحول الألم إلى أمل، ويحيل الوجع إلى نفع؛ فكانت مقالاته الأخيرة بمنزلة «الوداع» الذي حوّل النصوص إلى صور ذهنية، استقرت في الذاكرة.
رحل وكان موته «استثناء» في أثر الفقد، و»ثناء» في مآثر المفقود.. ترك بوصلته في عهدة ابنته البارة «الشيهانة»، وأبقى الرعاية في كنف زوجته الكريمة بدرية القبلان، وترك إرث إبداعه موزعًا بين أبنائه «شهلاء وشهد وليانا وعبدالله»؛ إذ شكلت «أسرته» أضلاعًا سداسية، كوّنت مشروعًا من الإرث الإنساني والميراث المعرفي.
صالح العزاز.. الاسم المتفق عليه في قوائم «النبل» ومقامات «الفضل» بوثائق «التأثير» وحقائق «الأثر».