رمضان جريدي العنزي
الخرافة قائمة على الافتراضات والأوهام، غير نافعة للناس، وليست صالحة لهم، يهواها الجهلة وأشباه المتعلمين، ويجيدون صنعها وتأليفها ونشرها، يمجدونها ويؤمنون بها ويتخذونها نبراساً لهم ومنارة، ويرفضها أهل الفكر والعقل والحكمة والعلم والمعرفة، بل يمقتونها ويحذرون منها ولا يلتفتون لها. إن الخرافة تتعدد في الروايات والتأليف والتضخيم والتصورات، وكلها تشترك في أنها منتج خيالي أسطوري لا حقيقة له ولا صحة، ولا يمكن تصديقه لا عقلاً ولا منطقاً. لقد حاول أصحاب الخرافة في كل مرة أن يأتوا لها بالدليل والبرهان لإثبات صحتها، لكنهم عجزوا أمام نور العلم والمعرفة واليقين، وقوة الدلائل والبراهين الواقعية، أن يثبتوا الصحة والواقع، إنهم يستميتون في سرد الروايات الخرافية العجيبة والخارقة للعادة، ويجتهدون لاختلاق الأكاذيب، ويهولون الأحداث الفاسدة وتحويلها وتزيينها، وجعلها في نظر المتلقي هي الحقيقة والواقع، وهم يعرفون سلفاً بأن ما يقولونه ويسردونه مجرد هذيان من القول، وباطل من الخيال، وغياب عن دائرة العقل والمنطق واليقين، أنهم يجيدون تزيين الخرافة وتلوينها وتأطيرها وفق تلفيق وتدليس عجيب، أن معضلة هؤلاء لا تقتصر على بث التزييف ومضامينه المضللة، بل إنهم يبحثون عن بيئات خصبة لينفثوا بسهولة خرافاتهم الواهنة، لجعلها بينهم حقيقة ثابتة. إن سردهم الخرافي ساذج، ومعطياتهم وسياقاتهم في هذا الشأن لا تنسجم مع السردية الواقعية، وحياة القرن الواحد والعشرين، ومنطقهم يتهاوى في كل مرة على صخرة العلم والمعرفة ووعي الناس واتساع أفكارهم ومداركهم. إن تأويلاتهم المليئة بالشعوذة يشبه الهوس بالكائنات الفضائية والأطباق الطائرة، إن مزاعمهم الخرافية لا تستند على وقائع وتحليلات صائبة، وإنما يسخرون بعض الوقائع والأحداث الصغيرة ويضخمونها لأهدافهم الشخصية ومراداتهم البائسة لكي يرقعوا بها أسمالهم البالية وأفعالهم الواهنة. إنهم يصادرون الحقيقة وفق تدابير وحبكات قصصية ليس لها دليل ولا برهان، أن من عادة بعض هؤلاء تصدر المجالس لسرد حكايات ليس لها مضامين ولا توثيقات لا لشيء إلا لإشباع هواية بائسة وفق سرديات ملفقة صنعها هو بنفسه لجعل نفسه مصدراً موثوقاً ومرجعاً. إنهم يجيدون الزيف ويفتعلونه ويباشرون مهامه، ليحققوا لأنفسهم رواجاً ودعاية كاذبة. إن وعي الناس وجاهزيتهم لرفض ولفظ هذه الفيروسات الخرافية يكبر ويتنامى، وأن رواياتهم المحبوكة ابائدة أخذت تحترق بنيران العلم والوعي والمعرفة، وتوفر المعلومة السريعة الصائبة، وأن بضاعتهم لم يعد لها سوقاً ولا رواجاً، سوى بالعقول المعششة بالجهل والعصبية. إن الشواهد على ذوبانهم وانقضائهم كثيرة، فما عاد تملقهم وتلونهم وبهتهم وتفيقهم يستهوي الناس ويرضيهم، لقد أدرك الناس حقيقتهم الرمادية، وأصبحوا عندهم مجرد مادة للتندر والفكاهة والتنكيت.