عطية محمد عطية عقيلان
من الروايات الممتعة للدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - رواية أبوشلاخ البرمائي، تدور أحداثها حول شخصية أبوشلاخ الذي يجيد حبك القصص والأكاذيب بطريقة لا تخلو من الكوميديا والإقناع رغم مبالغاتها، ومنذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ولم تنقطع قصص مشابهة لصاحبنا أبوشلاخ مع فارق سرعة انتشار القصص والحكايات وتداولها وتحويرها وكأننا أمام أبوشلاخ يتناسب مع واقع التطور التكنلوجي والاتصالات الذي نعيشه، لكن شخصية أبوشلاخ أصبحت متجددة ومتطورة لجذب المتابعين، واستفاد من تقنية الفوتوشوب والمونتاج في الخداع والتضليل لإضافة المصداقية لروايته للناس وإقناعهم بدلاً من صاحبنا في الرواية التي كانت الحبكة والكوميديا هي سلاحه الوحيد والتي كانت لا تقف معه في كل الأحوال. ونصادف مئات الأشخاص على شاكلة صاحبنا سواء في العالم الحقيقي أو الافتراضي عبر منصات التواصل الاجتماعي ونشهد بعضها ونستغرب على مدى سذاجتنا في كثير من الأحيان في الانجراف في تصديقها أو التعامل معها. طبعًا لا تقتصر هذه الحكاية على مجتمعات معينة أو أمم ولكنها ظاهرة عامة في جميع أنحاء المعمورة، ويقع ضحاياها من مختلف المستويات العلمية والمادية وتكاد لا نخلو من تجربة واقعية تبين مدى سذاجتنا وتغييب المنطق والعقل عنها.
بعض هذه القصص يحمل طرافة وكوميديا على قدرة «أبوشلاخ الجديد» على الصمود في مواقفه، منها قصة الزوج الأمريكي الذي خدع زوجته لمدة 62 عامًا وادعى أنه أصم وأبكم وتعلمت لغة الإشارة من أجله، لتكتشف بعد هذه المدة أنه طبيعي وادعى ذلك مبررًا فعلته أمام القاضي عندما رفعت قضية طلاق عليه بأنه يحبها ولم يقصد خداعها ولكنه إنسان هادئ ولا يحب الإزعاج وهي ثرثارة ومزعجة. ومنها أيضًا قصة شاب أمريكي حاول الاستفادة من الإشاعات على أضرار موجات أبراج الجيل الخامس 5G على صحة الإنسان، وقام بإنشاء موقع إلكتروني وتواصل مع الجماعات المناهضة والمؤمنة بأضرارها وادعى باكتشاف وتصنيع كريم يقي من أضرارها، وقام ببيع العبوة بـ 80 دولارًا وحقق خمسمائة ألف دولار قبل أن توقفه السلطات بعد اكتشافها أن منتجه عبارة عن فازلين وواقي شمسي لكنها منتهية المدة وتسبب أمراضًا على الجلد والصحة العامة، وهنا تحول في شخصية أبوشلاخ من أجل الحصول على الفائدة المادية ببيع العلاج الواهم للناس وفي الوقت المناسب. وهذا أيضًا ما حدث في الثمانينات عندما نشر أحدهم إعلانًا في الجريدة «بدولار واحد أعطيك طريقة كيف تصبح مليونيرًا»، وعند تحقيقه مئات آلاف الدولارات نشر إعلانًا وقال فيه «افعل مثلما فعلت». وهناك أبوشلاخ الذي يؤلف الحكايات من أجل التعاطف وتحقيق الشهرة بزيادة عدد المتابعين ومن ثم تحقيق العائد المادي، منها ما قام به شاب فرنسي وقع في سوق تجاري وادعى أنه مصاب بكورونا لتعلن حالة الطوارئ، وبعد حضور المسعفين قال إنه يمزح من أجل تسجيل هذه اللحظات. وأيضًا تم تداول قصة الشاب المصري الذي ادعى إصابته بالسرطان ليحصد الشهرة من تعاطف الناس مع مرضه وقوة إرادته، وتكتشف السلطات زيف ادعائه وتستدعيه لمحاسبته. وحتما يمر علينا أشخاص بمثل أبوشلاح قد يكون هدفه لفت الانتباه بحبك القصص والحكايات ليكون اجتماعيًا، وقد يمر علينا أبوشلاخ الذي يجيد الجذب والتطميع في الأرباح من أجل الاستفادة المادية وأخذ أكبر مبلغ منك، وقد يكون أبوشلاخ من أصحاب الشهادات العليا أو صاحب مكانة اجتماعية ولكن أغرته أضواء الشهرة والمعجبين والمتابعين والحياة الافتراضية المثالية فبدأ يتحول إلى «أبوشلاخ الشعبوي» ليجذبهم ويزودهم بالمعلومات التي تؤثر وتبقيهم على تواصل به، لذا عزيزي القارئ تأكد أن هناك العديد من الشخصيات التي تتابعها ومعجباً بها هي من جماعة أبوشلاخ ولكنه استفاد من اتقنية حسب فائدته ومصالحه الشخصية، وقد تسبب لنا أضراراً جسيمة على الأصعدة كافة عند متابعته والإيمان بحكايته، فلنحذر من «أبوشلاخ المتحور» لأنه خطير ومتغير في أدواته ومتجدد في أسلوبه ويحتاج منا أن نطور مناعتنا للقدرة لاكتشافه والتصدي له واكتشاف زيفه.