د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
ولِدتْ مجلة الجوبة عام 1369هـ- 1990م من رحم مؤسسة ودودة بالعقل الوطني والتنمية البشرية؛ وهي مؤسسة الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري الخيرية بمنطقة الجوف التي تم إنشاؤها عام 1383هـ- 1963م، وانشقت عنها حزمٌ من منصات التنوير الأصيلة في منطقة الجوف ومحافظة الغاط [مركز السديري الثقافي الذي هو الآن المرجعية المباشرة لمجلة الجوبة العملاقة وموئل للحراك الثقافي في الجوف والغاط وخارجهما، ومكتبة الثقافة العامة التي تحوّلتْ إلى دار العلوم بالجوف، وضمّت أول مكتبة نسائية في المملكة العربية السعودية، ودار الرحمانية في الغاط ومكتبة منيرة الملحم بالغاط والمنتديات الوطنية الثقافية والعلمية والمجتمعية والمناشط العامة]؛ وقد خرجتْ مجلة الجوبة إلى المشهد الثقافي فارتادتْ قمّتَهُ، وغدتْ طوقاً سعودياً ثقافياً يتزين بعقول الباحثين وأفكارهم، ويواكب الواقع التنموي السعودي، فيقف شغوفاً عند محطات النمو الثقافي الوطني ليجزل الحديث عنها عبر المجلة؛ ولقد حازتْ المجلة منذ ميلادها عبر [30] عاماً على اهتمام قرائي وافر من ذوي العقول الناضجة، فأصبحتْ مسترادا لنخبة من كتاب منطقة الجوف وخارجها؛ حيث هي مجلة ثقافية أدبية ربع سنوية، تتيح لمبدعي المنطقة نشر إبداعاتهم وتوفر لهم فرصا للاحتكاك مع الكتاب والأدباء في بلادهم وخارجها، وتشرف هيئة للنشر تشكّلتْ داخل المركز على المجلة، ولمجلة الجوبة أسرة تحرير منذوي المعرفة والاختصاص، وقد صدر منها حتى تاريخ كتابة هذه الإطلالة عليها 69 عدداً آخرها كان تتويجاً لمرور ثلاثين عاماً على انبثاق نورها!
وخرجتْ [الجوبة] في ردائها الثقافي المتنوع، ففي كل عدد يبهرنا الانتقاء، وعمق الطرح، والمعرفة الغزيرة التي تتناثر فوق صفحاتها في حُلّةِ تحفيزية تبهرنا تفاصيلها، وتجليات أهدافها في أوعية الثقافة المختلفة، واندماجها في معامل العلوم واللغة والدراسات الاقتصادية والاجتماعية!
ونعود للجوبة حيث البدايات حين اشْتُق الاسم من اسم لمنطقة الجوف قديما، فاستحدثت وكانت منشورا شارك في تطوير مفهومه ورسم إطاره العام، وتسميته وإعداده نخبة من أعضاء المجلس الثقافي في مؤسسة الأمير عبدالرحمن السديري الخيرية تحفيزا إلى الصعود فكان للجوبة ذلك! والمجلة حراك ثقافي محمود أُحسن استثماره بكثير من المعطيات الوطنية التي تسعى للدعم المجتمعي، وما زالت تجربة [الجوبة] الإعلامية تتكشّف خلالها معطيات مجلة نابضة بالحياة فجمعتْ أطايبَ المضمون، وشكول الطرح، وغزارة المواد المفيدة التي تحقق القراءة الناقدة، وترفع الذائقة اللغوية؛ وتطرح الرؤى الواعية!
ومما تبيّن أن مركز السديري الثقافي دعم الجانب التنظيمي في مجلة الجوبة حتى تسير على أرض صلبة تضمن لها الاستدامة والتألق؛ حيث في البدايات كانت معظم الدوريات تحبو دون أربع؛ وبعضها لحقه الأفول قبل شبابه؛ ويحمدُ لمجلة الجوبة في مسيرتها ذلك الصحو الحديث والصمود المشهود! فأصبحت وثيقة تاريخ للجوف الشامخة حيث مكان استصدارها؛ فهي منبر جوفي وطني سطر مناقبَ شخوصٍ مثلى أسهمت في البناء والتنمية، وما زالت الجوبة وهي في ذكرى تأسيسها الثلاثين «تستبق الخيرات» وتُحسنُ باقتدار صياغة المسارات الخصبة على صفحاتها، وتجيد صناعة لأقلام التي تقرر علاقاتها مع محيطها المحلي والخارجي كما دأبت [الجوبة على تمتين مقومات تلك العلاقة، وأبدع القائمون عليها في صياغة استراتيجية نهوض الأقلام من دوائر الذاتية إلى جلب الآخر وجذبه، ونجحوا باقتدار أن يجعلوا الفكر الثقافي في حالة دائمة من التحفيز، كما استطاعوا بحرفنة عالية أن يزرعوا الثقة بمتانة الثقافة الجوفية ومناراتها، فالجوبة تصدح في الوقت نفسه بالمنجز المجتمعي النامي؛ وتشيد بدعائمه وأوتاده، فنافس حضور [الجوبة] في مسار خدمة المجتمع قنوات اختصاصها، ودفعتْ المثقفين إلى زيادة حواضر المشاركة في البحوث والدراسات التي تهم الواقع الثقافي والمجتمعي.