د.عمر بن عبدالله المشاري السعدون
لقد جاءت النصوص الشرعية في الكتاب والسنة محرمة ومانعة الجريمة الربا، وشدَّدت في ذلك المنع، بل جعلت جريمة الربا حربًا مع الله. وقد أجمع العلماء على حرمة عقود الربا، وإن اختلفوا في بعض فروع وجزئيات جريمة الربا. قال تعالى: وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ . قال ابن عباس - رضي الله عنه -: «يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب».
وعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه». أخرجه مسلم. وهذا يدل على أن الربا من كبائر الذنوب لورود اللعن فيها.
وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا: وما هن يا رسول الله؟ فعدَّهن، وذكر منهن: «آكل الربا». بل إن الشريعة الإسلامية لم تنفرد بتحريم الربا، بل اتفقت عليه الأديان السابقة للإسلام، حتى إن معظم القوانين الوضعية تضع قيودًا على قرض الفوائد الربوية. وطبيعة الربا تؤدي إلى فصل المديونية عن الوضع الاقتصادي الحقيقي. إن الربا يتناقض مع قوانين الطبيعة، فضلاً عن القيم الأخلاقية والشرعية. إن الربا سبب «للتضخم»، وقد كان سببًا رئيسًا في الأزمة المالية الاقتصادية قبل سنوات. ومن المعلوم ضرورة أن المال لا يلد ولا ينتج مالاً، بل الاقتصاد الحقيقي هو الذي يجعل الحركة الاقتصادية تسير بشكل طبيعي ومفيد. أما الربا فهو جمود وكساد للاقتصاد، ومنبع أزمات.
وأنواع الربا نوعان:
النوع الأول: ربا القرض (ربا الديون)، وهذا هو ربا الجاهلية، وهو الذي تعمله البنوك التقليدية في هذه الأزمنة. وهذا إما أن يكون في الزيادة المشروطة ابتداء في عقد القرض، أو هو الزيادة التي يُتفق عليها عند حلول الدَّين.
والنوع الثاني: (ربا البيوع) وهو: إما ربا الفضل، وهو: بيع المال بجنسه متفاضلاً، أو ربا النسيئة، وهو: بيع المال بمال من فئته بلا تقابض.
والفروق بين ربا القروض (الديون) وربا البيوع:
أولاً: أن ربا البيوع محرَّم تحريم وسائل، أما ربا الديون فإنه محرم تحريم مقاصد، وهو: (ربا الجاهلية)، وهو حقيقة ما تقوم به البنوك التقليدية في هذه الأزمنة، نسأل الله العافية.
ثانيًا: أن ربا البيوع لا يجري إلا في الأصناف الستة: (الذهب والفضة والقمح والتمر والملح والشعير) المذكورة في الحديث، وما أُلحق بها. أما ربا الديون فيجري في جميع الأموال بإجماع العلماء.
وبحمد الله بدأت المعاملات المصرفية الإسلامية تزاحم المعاملات الربوية في كثير من البنوك التقليدية، وبخاصة في بلادنا (المملكة العربية السعودية) - حرسها الله -. وما صدور إطار الحوكمة الشرعية للبنوك والمصارف المحلية في المملكة إلا إيذان بزوال المعاملات الربوية من غير رجعة إن شاء الله.
** **
- كاتب العدل والمستشار الشرعي في فقه المعاملات المالية الاسلامية