إعداد - جابر محمد مدخلي:
لكي تصعد إلى فيفاء ليس عليك سوى أن تبلغ ساكنيها أنك في طريقك إليهم وستجد الجميع يصطفون في انتظارك والترحيب بك إلا أن تنزل عندهم ضيفاً. إنها بالفعل مختلفة عن كل بقاع الأرض. فيها ستشعر كما لو أنك طائر تنازل عن أجنحته ليحلق ماشياً في أزقتها، وزواياها. تستنشق من صخورها التاريخ، وتحتضنك مناظرها الخلاّبة كما لو أنك لم تر أجمل منها في الكون. فيفاء الأسطورة والإنسان فعلاً. فيفاء: أرض السماء، وسماء الأرض.
إذا ذهبت إليها وأنت في صحبة شاعر فقد حزت على خير رفيق؛ وإن ذهبت إليها خالي الوفاض إلا منك فستجد في انتظارك ألف شاعر، وراوٍ.. رواياته بعمر القرون، وحكاياته أساطير تكاد تسلب لبّك لما فيها من القوى الخارقة، والأزمنة المنصرمة التي أبقتها عالقةً، وراسخةً في ذاكرة أهالي فيفاء ورحلت كما لو أنها أعطتهم أعظم الكنوز، والآثار.
وأما أنا فقد صعدتُ إليها في معية الشاعر القدير محمد علي النعمي الذي تكفل ببلاغة الشعر، ولغة السلام، وقصيدة الأوطان، وتفاصيل الإخاء، وعظمة لقاء الإنسان بالإنسان. لأتكفل أنا بالإنصات، وإتمام ما حملني إلى هذا المكان. وظل أهم همومي هو البحث عن الأسطورة وتلقّيها مرويةً من أصلها، وعن أفواه أهلها الكرام. في البدء لم أكن أتخيل مطلق التخيل أنّ ما سأسمعه لأرويه للقارئ العزيز حكايا نادرة، متأصلة في الوجدان الفيفي، كنت أتوقع أن أسمع أساطير أقرب لحكايا الجدات، ولكن وجدت أساطير متعددة، ولعل أبرزها أسطورة أشبه ما تكون بأسطورة سندريلا العالمية.. مما جعلني أتوقف عندها ملياً وأدوّنها تحت عنوان: (سندريلا الفيفية أقدم من سندريلا العالمية).
إنه وقبل انتشار قصة سندريلا العالمية، أو دخول قصتها للمشهد الثقافي السعودي، وقبل ترجمتها للعربية، ظهرت قصة أعظم منها في فيفاء، وكانوا يسمرون على حكاية سندريلا الفيفية قبل أن يتناقلون رواية سندريلا العالمية.
وأرويها لكم متصلة السند عني، عن عبدالله بن حسن بن فرح الفيفي، عن والدته السيدة: محسنة بنت علي بن قاسم الفيفي، عن جدتها عافية بنت سلمان الفيفي، عمّن سبقها من الأولين.. تقول الأسطورة:
يحكى أنه في «فيفاء القديمة» التي كان يسكن أهلها سفوح جبال فيفاء قبل أن تؤهل قممها بالسكان كان هنالك رجل متزوج بامرأتين يسكنون في منزل واحد. وكان قد قسم بينهما أعمال البيت وما حوله، وأن يكون لكل واحدة يوم عمل ويوم راحة. وكانت أم (ماجدة) أو «سندريلا الفيفية» امرأة تراعي زوجها وبيتها ولا تنشغل بشيء غير ذلك. وأي شيء يحضره زوجها تشكره عليه ولا تكلفه بما فوق طاقته. وأما أم (مَيَّه) فكانت امرأة متذمرة، وحمقية، ومتزمتة ولا يعجبها، أو يرضيها شيء من زوجها مهما بذل.
وفي يوم راحة أم (ماجدة) خرجت من بيتها إلى البئر؛ لتغسل رأسها وتمشط شعرها بمشطها الخشبي المصنوع من شجر «الشدن» كعادتها.
وماجدة «سندريلا الفيفية» وأختها مَيَّه متقاربتان في العمر وإن ظهر للناظر أنها الكبيرة ولكنهما ما زالتا في نهاية سن الطفولة بمقاييس ذلك الزمن السحيق. وذات يوم دخلت ماجدة عند عمتها وهي تعصد «العيشة» «بالخوذه» والخوذة: هي عصا غليظة وقصيرة تعصد بها العصيدة في الإناء الحجري وكانت فرحة الأطفال به عندما يمسكونه ويأكلون ما علق به من العصيدة كتصبيرة حتى يجهز الطعام وما زالت هذه العادة مستمرة حتى اليوم .. فطلبت (ماجدة) من عمتها الخوذة إذا انتهت من عصد العصيدة -لتلعق ما علق بها- ولكن عمتها قالت لها: لن أعطيك الخوذة إلا إذا دفعت بأمك في البئر.. فركضت ماجدة من خلف أمها وهي جالسة على حافة البئر تمشط شعرها بعد أن غسلته فدفعتها في ذلك البئر السحيق وعادت مسرعة لتحصل على «الخوذة» ومع غياب والدتها عن البيت صدق والدها ما قالته له زوجته أم (مَيَّه) «بأن أم ماجدة زلقت رجلها وسقطت في البئر ولعمق البئر وما كان منه إلا أن ردم البئر وجعله قبراً.
ومن هنا بدأت معاناة (ماجدة - سندريلا الفيفية) فقد حولتها عمتها إلى خادمة في المنزل تكنس وتطبخ، وترتب وتخرج الماشية وتحتطب.. وكانت تتعرض لصنوف التنمر والإذلال ووالدها كان منشغلاً عنها طوال الوقت. وإن عاد للمنزل فهو يصدق أم مَيَّه فيما تقوله.
عندما سقطت أم ماجدة في البئر سقط معها مشطها الخشبي المصنوع من خشب «الشدن» فنبتت فوق ذلك البئر المتحولة إلى قبر شجرة «شدن» فارتبطت جذورها برأس أم ماجدة. وشجر الشدن واحدها «شدنة» وهي تثمر ثمراً يسمى «الكين». وعندما نمت تلك الشجرة وأثمرت كانت ماجدة قد كبرت فرأت الثمار في الشدنة وذهبت إليها لأنها تتضور جوعاً فهزتها لتتساقط ثمارها فإذا بها تسمع صوت أمها من تحتها وهي تقول: «الله يهوشل براس من هوشل براسي إذا ما كانت ابنتي ماجدة. (أي الله يهز رأس الذي يهز رأسي إذا كان غير ابنتي) فقالت ماجدة رداً على صوت أمها:
- أنا بنتك.
- أم ماجدة: وماذا تريدين؟
- ماجدة: أريد ثمراً؛ لأني جائعة، وعمتي ترسلني بالماشية في الصباح ولا تعطيني شيئاً للأكل.
- أم ماجدة: هل البقرة «امجابرة» ما زالت موجودة؟
- ماجدة: نعم.
- أم ماجدة: إذا برهتي الصبح للمرعى دقي قرن «امجابرة» وبيطلع لك زبيب، فكليه، واشربي من حليبها.
فارتاحت ماجدة وأصبحت تعود إلى البيت شبعانة. وبعد بضعة أيام لاحظت عمتها ذلك.
فقالت لولدها الصغير سوف أرسلك مع أختك ماجدة للمرعى وأريدك أن تنظر ماذا تفعل؟ وماذا تأكل؟
وفي الصباح أخذت أم مَيَّه دهناً ودهنت أقدام الصغير وقالت لماجدة خذي أخاك الصغير معك وشيليه شيلا ولا تنزليه لأنني سوف أدري إذا علق التراب بأقدامه. فحملته ماجدة وبعد خروجهما من البيت بمسافة قليلة قال لها:
- أنزليني لا أريد أن أرهقك.
- قالت له: ولكن عمتي سوف تعاقبني.
- فرد عليها: لا عليك فالحل معي.
سعدت ماجدة بصحبة أخيها وكانت تطعمه معها من الزبيب ويشربان الحليب، ولم يخبر أمه بشيء وعند عودتهما للبيت قال لأخته (ماجدة) اغسلي قدميّ بشيء من الحليب ولن تلاحظ أمي وكأنه الدهن قد جف.
وبعد مرور أسبوع كرهت العمة الوضع لأن ماجدة تعود وهي مشبعة وسعيدة وغير مرهقة. فقررت أن ترسل معها أختها مَيَّه واشترطت عليها بأن تحملها فاعترضت ماجدة وقالت أخي حملته لأنه صغير على قطع التلال والوديان أما مَيَّه فهي كبيرة ولا تصغرني إلا ببضع سنين فرفضت العمة وهددت وتوعدت فوافقت ماجدة وكلها أمل بأن تتفهمها مَيَّه كأخيها الصغير.
فحملتها فوق ظهرها في الصباح وبعد كل مسافة بسيطة تضطر للراحة ولكن مَيَّه متمسكة بتوجيهات أمها.
وصلتا إلى المرعى وماجدة متعبة وتتضور جوعاً فأخذت لها زبيباً من قرن «امجابرة» وأعطت أختها وطلبت منها ألا تخبر عمتها فخبأت مَيَّه بعض الزبيب بين شعرها، ومنديلها وعندما عادتا للبيت - قالت أم مَيَّه ماذا حصل اليوم؟ وماذا فعلتما؟
- قالت ماجدة: لا شيء.
- قالت مَيَّه: بل حصل يا أمي؛ فقد دقت ماجدة قرن «امجابرة» وأخرجت لنا منه زبيب وشوفيه -هذا- وحين أخرجت الزبيب من شعرها وجدته وقد تحول إلى صراصير وحشرات فصاحتا مَيَّه وأمها ولم تصدقها ولكنها تريد أن تضايق ماجدة بأي شيء. وعندما عاد زوجها قالت له أم مَيَّة:
- أنا مريضة ومتعبة وعلاجي أن «تدرّعني» بأديم «امجابرة» (أي تلبسني جلد البقرة «امجابرة» وهو ما يزال ساخناً بعد الذبح مباشرةً، ويعد هذا النوع من العلاج، علاجاً شعبياً ظل يستخدمه أهل فيفاء إلى وقت قريب).
فلبَّى لها زوجها طلبها ذلك وقام بذبح «امجابرة» ودرّعها بأديمها. فحزنت ماجدة حزناً شديداً ولم تجد من تبثه حزنها غير أمها. فذهبت إلى أمها و»هوشلت» هزت الشِّدنة فقالت أمها عبارتها المعتادة:
- الله يهوشل براسه من هوشل براسي إذا ماكانت ابنتي ماجدة.
- فردت ماجدة: أنا ابنتك.
- أم ماجدة: نعم يا ابنتي ماذا لديك؟
- ماجدة: باكية .. ذبحوا امجابرة يا أمي.
- أم ماجدة: لا عليك يا ابنتي خذي من «مشها» -يعني عظامها- سبع عظمات واحفري في «سفل امحمار» - يعني بيت الحمار- سبع حفر وادفني كل عظمة في حفرة ولا أحد يدري.
فعلت ماجدة ما طلبته منها أمها.. ولم تخبر أحداً. وبعد عدة أيام من هذه الحادثة .. سيقع «هَوْد» ختان. وفي حفل كهذا كان يقام فيه الأهازيج والعرضات والولائم. فاستعد الجميع للذهاب وفي صبح يوم ذلك الهود نثرت أم مَيَّة حبوب القمح بين الحصى وسكبت ما لديهم من ماء وخبأت الحطب وقالت لماجدة: لا تستطيعين الذهاب معنا اليوم فهنالك عمل كثير يجب أن تقومي به وأريد أن أعود في المساء والبيت مرتب والطعام جاهز.
وخرجت الأم وابنيها من البيت؛ فالختان يكون مبكراً وتليه العرضات، والولائم. فركضت ماجدة باكية عند أمها وهزت الشدنة فعرفت أم ماجدة أنها ابنتها وردت عليها فوراً:
- نعم يا ابنتي.
- ماجدة: أريد أن أحضر «الهود» وعمتي كلفتي بعمل كثير.
- أم ماجدة: اذهبي إلى «سفل امحمار» وافتحي ثلاث حفر.
نفذت ماجدة ما طلبته منها أمها .. وفتحت الحفرة الأولى فخرجت لها ملابس من أجمل ملابس النساء. ومن الحفرة الثانية خرجت منها «قيان» جواري. ومن الحفرة الثالثة خرجت منها دجاج.
فقامت الجواري بتجهيز ماجدة ثم خرجن لإكمال أعمال البيت وقام الدجاج بفرز الحبوب عن الحصى، وخرجت ماجدة للختان، ورأتها أختها من بعيد فقالت لأمها انظري لتلك الجميلة «المحشبلة» (المهندمة) تشبه أختي ماجدة.
قالت أمها: ماجدة بين الحطب والرماد في البيت وأصلاً ما عندها ملابس مثل هذه الملابس المزيونة.
وبينما هي تسير بين الناس رآها شاب من الحاضرين أثناء قدومها وهو من خيرة رجال القرية المجاورة لهم فأعجب بها. ولكنه لم يرد أن يلفت الأنظار؛ فهو ضيف لهذه القبيلة ولا يريد أن يسيء بالتحدث معها فوضع لها «زربة» -أشواكا- لعلها تعرقلها في طريق عودتها وتأخرها فيستطيع متابعتها لمعرفة منزلها. وقبل انتهاء الهَود بقليل غابت (ماجدة) فتفاجأ الشاب بغيابها فجأة فتبع طريقها ويبدو أنها داست لعجلتها تلك الأشواك فجُرحت ولحق أثر الدماء حتى بلغ بيتها ومع وصول أم مَيَّة وابنتها وزوجها رحب به أبو ماجدة فدخل بيتهم قبل الغروب وكان الناس في ذلك الوقت يضعون عشاءهم في ذلك الوقت فوضعوا العشاء وقال من جهزه وأنتم الآن عائدون من الهود قالت أم مَيَّة تلك الفتاة هي التي جهزته.
- فقال: ولماذا لا تأكل معنا وهي من طبخته؟
فناداها أبوها لتجلس معهم، فجلست وعرفها الشاب فخطبها مباشرة وقال سأعود بعد أسبوع إن كنتم موافقين.
ذهبت ماجدة لأمها وهزت الشدنة وأخبرتها بما حصل فقالت لها: «اشترطي أمامهم جميعاً أنك لا تروحين مع زوجك إلا إذا أخذت ما يوجد في «سِفل الحمار» وإذا جهزت للذهاب مع زوجك افتحي الأربع حفر الباقية في السِفل ولا تلتفتين لأنك لن تطيقي ما سترين وقد تصابين بالجنون!.
مضى أسبوع ثم عاد خاطب ماجدة وتم زواجها واشترطت شرطها ذلك فضحكت العمة وقالت لا يوجد إلا «قفع وخسع» -مخلفات الحمار- فخرجت (ماجدة) وفتحت الحفر وعادت لتركب على الجمل الذي أحضره زوجها ولم تلتفت فخرجت من تلك الحفر أغنام وأبقار وجمال و»قيان» وذهبوا معها إلى بيت زوجها في القرية المجاورة.
فحلّت مع زوجها فترة من الزمن كانت فيها نعم المرأة ونعم الزوجة ونعم الجارة لأهل زوجها.
فقالت أم زوجها لابنها الأصغر ما دامت زوجة أخيك هكذا فلنخطب لك أختها (مَيَّه) لتكتمل فرحتي بك وبأبنائك.
فتم ذلك الزواج وقبل رواح (مَيَّه) لبيت زوجها قالت لها أمها اشترطي أنه لك ما في بيت الحمار ففعلت وعند استعدادهم للذهاب نزلت من فوق جملها ودخلت بيت الحمار تبحث وتحفر ولم يحصل شيء فخرجت وقد تلطخت بمخلفات الحمار.
وبعد أن حلّت مع زوجها فترة من الزمن كانت فيها مهملة لبيتها وزوجها.
وفي المقابل كانت (ماجدة- سندريلا الفيفية) تخرج في الصباح الباكر مع الفجر لترد الماء ومعها قربة و»شقف» وفي كل مرة تجد كهلاً صالحاً يطلبها «الشقف» ليتوضأ فيه وكانت تعطيه. وعندما يفرغ من الوضوء يدعو لها قائلاً: «الله يبيض وجهك يا ابنتي بياضاً فوق بياضه». ومن دعوته كان الجميع يلاحظ عليها جمالاً يزداد يوماً بعد يوم فسألتها أختها (مَيَّه) عن ذلك فقالت لها: لا أدري وهي، صادقة في ذلك.
فعزمت مَيَّه على مراقبتها لتعلم ماذا تفعل، أو ماذا تستخدم ليزداد جمالها. وفي اليوم التالي أخذت مَيَّه شقفتها وخرجت مبكراً قبل ماجدة لترد الماء فبلغت موقع الماء ووجدت الكهل فطلبها الشقفة ليتوضأ بها فغضبت منه ميَّه وقالت له:
- أنا برهت أرد الماء وليس لأشرف على وضوئك أيها العجوز.
- فقال: الله يجعل لك علامة بين عينيك ما تزول.
فنبت لها بين عينيها أثلولاً أسود كبيراً وطويلاً كلما أزالوه يعود فينبت. واستمرت فترة على هذا الحال حتى سألتها ماجدة عن سببه فتذكرت مَيَّه، حتى قالت لها: لا أذكر إلا دعوة ذلك العجوز الخرف عند نبع الماء فأخذتها ماجدة إلى العجوز في صبح اليوم التالي فقبل شفاعة ماجدة وأخذ يبصق في يده ويمسح ذلك الأثلول ويدعو الله حتى زال عنها.
وبعد فترة، وفي أثناء جلسة عائلية بين الأم وابنيها وزوجاتهم.
قالت أمهم: المرأة المدبرة في بيتها هي من تستطيع أن تصنع خبزاً بدون ماء، ولا حطب.
وفي الصباح خرج الأزواج لأشغالهم وقامت زوجاتهم ماجدة وميَّه للعمل على حل هذا اللغز، وكل واحدة في بيتها.
- ماجدة حلبت بقرتها وعجنت طحينها بذلك اللبن وحفرت حفراً صغيرةً في أرض موقد النار وصنعت فتائل وعبت الحفر زيتا ووضعت الفتائل فيها وأشعلتها فصنعت خبزا بدون ماء وبدون حطب.
- مَيَّه عجنت الطحين في فمها بلعابها ووضعته للشمس كي يستوي فيها.
- عاد زوج ماجدة فأكل من خبزها اللذيذ فأمسى شابعاً منعماً.
- وأما زوج مَيَّه عاد ليجد عجينا منتناً غير ناضج فأمسى جائعاً نكداً.
وبعد مرور زمن رزقت فيه ماجدة بولدين. وميَّه بولد وهم على موعد لزيارة أهلهم فسألت ميَّه ماجدة كمن تريد أن تأخذ فكرتها لأنها دائماً بلا تدبير: كيف ستزورينهم؟ وهل ستهدين لهم شيئاً؟
- ماجدة: سأضع الولدين في مهدين على جمل يميناً ويساراً، وأما الهدية حتى لو لم أجد إلا حنشاً فسأهديه لهم ولن أصلهم ويدي فارغة.
وعندما ذهبت مَيَّه لزيارة أهلها أخذت مهدين وعلقتهم يميناً وشمالاً على ظهر الجمل ومزقت ولدها نصفين ووضعت كل شق منه في مهد وبحثت حتى وجدت حنشاً ووضعته في «شكوة» وذهبت لأمها واستقبلتها وفرحت بها وقالت انظر لابني فتنظر وإذا به ميت فصاحت بها: ما هذا يا ميَّه؟ قالت لها: أريد أن أكون مثل (ماجدة) أو أحسن وأخرجت «شكوتها» لأمها وقالت لها: أدخلي يدك هنا وانظري ماذا أحضرت لك من هدية فأدخلت يدها ولدغها الحنش وماتت من ساعتها.
فأرسل أبوها إلى زوجها ليحضر وينظر في شأن زوجته فحضر. ولما رأى ما رأى وقد فاض به الكيل منها قال لأبيها: بل انظر أنت في شأن ابنتك ومن الآن ليست زوجتي ولا أعرفها.
** **
- فيفاء