د. صالح بن سعد اللحيدان
يصعب القول إن تقنع من اعتقد بسرديات الأخبار يصعب جداً.
ومع أن كثيراً من العلماء والمؤرّخين يؤمنون أن/ الخبر/ وأن الحدث/ وأن الرواية/ لا بد أن تتكئ على قاعدة صلبة صحيحة وقوية، لكنهم يقبلون على كتب وأبحاث ليست إلا (حاطب ليل) (وخبط عشواء) (وذر الرماد) «ذرة في العيون»
كل ذلك يعود إلى حب الخفيف من الروايات والأخبار والأحداث.
حتى إذا تتالت الأجيال تترى آمنوا إيماناً راسخاً أن الخفيف والسرد هو ما يحسن نظره ونقله والاستشهاد به.
بل لعل هذا يدرس على أنه الصواب ويلقى في /البحوث/ والدراسات على أنه ليس إلا هو.
وإذا ما طرحت السند وحقيقة المتن وبينت بطلان الثبوت جاءك الذي يقول السند.. السند؟
وهذا مدعاة لكثرة انتشار الزيف وانتشار ما لا صحة له في كثير من مطولات كتب التاريخ.
ولو أن أحداً مثلاً قال حصل كذا من خالد أو علي أو سالم ... إلخ، وهؤلاء كلهم يسمعون ثم هم ينفون ذلك قطعاً
فكيف تكون الحال حينئذ؟
هذا هو ما يحيكه (الكليني) (والبحراني) (والقمي).. والبحراني لعله أشدهم، فخذ أمثلة على ذلك كنت قد أفصحت عنها في غير هذا الموضع:
خذ:
1 - خروج عائشة (يوم الجمل) للفتنة والصواب أنها خرجت للإصلاح ولذلك يوم رأوها سكنوا وعظموها.
2 - إحراق (طارق بين زياد للسفن) وهذا لم يحصل أبداً فلم يذكره المؤرِّخون الثقات مع توافر علماء الأسانيد والجرح والتعديل وطبقات أحوال الرواة.
3 - حين أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل إلى: (بلاد اليمن) حاكماً معلماً أورد كثير من العلماء والمؤرِّخين وأهل التحقيق هذا الخبر (قال بما تحكم قال بكتاب الله قال فإن لم تجد قال بسنة رسوله قال فإن لم تجد قال أجتهد رأيي ولا آلو).
وهذا الحديث ضعيف جداً بعلة السند لكنه منتشر عند كثير من المؤرِّخين وكثير من العلماء.
نعم، أرسله: حاكماً معلماً وقد صح بهذا أثر آخر عند كبار علماء الحديث فتنبه.
4 - قصة (التحكيم) بين (أبي موسى الأشعري) و(عمرو بن العاص)، ففي كتب التاريخ والأخبار في كثير منها ذكر هذا لكن بدون سند، وهذا ما جعل الطبراني يبحث حقيقة هذا الخبر فوجده باطلاً فأثبت هذا في (المعجم الأوسط) فعد إليه.
5 - أن إسحاق عليه السلام هو: الذبيح الذي أوحي إلى (إبراهيم) عليه السلام بذبحه، وهذا يخالف أصول النشأة والولادة والصحبة إلى (مكة) فإن إسماعيل عليه السلام هو (الذبيح) وهو ما أقرّه واقع الآثار المسندة وهو ما أقره المفسرون.
والذين قالوا خلاف ذلك لم تقم لهم قائمة من نص مستقيم صحيح، وذهب جملة من ( يهود) إلى أنه (إسحاق) لمذهبهم الباطل في هذا، ودراسة حياة (إسماعيل) في آيات كثيرة تدل على أنه هو ولا نكير.
6 - أن مسجد الصخرة هو المسجد الأقصى، وهذا يخالف حال ظرف المكان (فالقدس) مدينة يطلق عليها (مدينة القدس) والمسجد الأقصى القبيلة (فيها).
وفي جملة من كتب التفسير والتاريخ المسندة هو ذاك.. ولست أعلم خلاف ذلك بسند صالح قائم مديم.
ولا يدخل (الاجتهاد) في هذا لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ.
وليس ثمة من الآثار الصحيحة ما يدخل في سبيل الصحيح من أن الأمر خلاف ذلك.
7 - وهناك غلط فاضح رأيت بعض العلماء والنسابة يقعون فيه، وهناك من يؤكده وهذا مقلق ومخيف، وهذا الأمر أن: ( مريم بنت عمران) أخت لموسى بن عمران وأخت لهارون بن عمران عليهم السلام جميعاً.
ومن الناحية التاريخية المعتبرة والنسب والعقل والواقع أن بين هارون بن عمران ومريم عليهما السلام قرابة (1900 ألف وتسعمائة عام).
فكيف يكون هذا؟
ومن أين جاء؟
ليس إلا العجلة وجهل أصول وتقعيد الآثار والنسب والقرابة وظرف الزمان، والعجلة إذا وجدت لدى المؤرِّخ أو العالم أو النسابة أو المحقق أو المفتي هنا بالذات يتحكم القلب وتنطق العاطفة فتحصل العجلة دون شك لأن العقل قد تم إقصاؤه والعقل هو (مناط الحكم) إذا رافقه روية وصبر وسكينة ونظر عميق مع نص قوي صحيح.
وغالب ما يقع فيه بعض النسابة وبعض المؤرِّخين إنما يكون بسبب العجلة والتشابه والاعتماد على مصادر وكتب هي نفسها مخطئة، فخذ مثالاً على ذلك:
1 - أن العرينات هم (العرينون) «العرينون» (والعرينون) ليس هم أولئك.
2 - الخلط بين: (سبيع فخذ من قبيلة عنزة) وسبيع القبيلة العدنانية.
3 - الخلط بين (العالم المجتهد) أقصد (المطلق في الاجتهاد) وبين العالم المشهور.
4 - أن قبيلة (غسان) نسبة إلى رجل، بينما الغساسنة نسبة إلى (وادي غسان).
فتنبه إلى مثل هذا.