ميسون أبو بكر
كثيرًا ما كنت أفكر بإمكانية أن يتحول طعامنا كطعام رجال الفضاء: كبسولات صغيرة ملونة ومتنوعة - بروتينات وفيتامينات وكربوهيدرات وغيرها.. لكني سرعان ما أعدل عن التفكير في هذا الموضوع؛ فأنا مثل كثيرين غيري أعتبر الطعام متعة من متع الحياة، وبه تحلو جمعاتنا وجلساتنا وطلعاتنا للمقاهي والمطاعم، كما يعتبر من أهم المشاريع الناجحة التي تدرُّ ربحًا وفيرًا على مستورديه والمشتغلين في مجال المطاعم. ورأينا في أزمة كورونا أنه توقفت الكثير من البضائع والسلع إلا المواد الغذائية والأطعمة.
لقد أصبح الطعام الجاهز مؤخرًا مطلبًا للكثير من الأُسر، سواء في المطاعم أو التوصيل للمنازل، وليس في المناسبات فقط، بل يعتمد العزاب والعائلات والأطفال عليه؛ إذ أسمع من بعض صديقاتي أن أطفالهن يقومون بالاتصال بمحال (الهمبرغر والساندوتش)، ويطلبون الطعام بأنفسهم!
السؤال الملحّ: ألا يشكّل هذا خطرًا على الصحة المجتمعية، وإرباكًا للمنظومة الغذائية لأطفالنا خاصة، والشباب الذين تحتاج أجسامهم إلى أكثر من أطعمة سريعة مليئة بالدهون والكربوهيدرات والسعرات الحرارية العالية؟!
كما لا ننسى أن ذلك يشكّل عبئًا أيضًا على المنظومة الصحية عامة؛ إذ يتطلب أموالاً طائلة تُخصص لعلاج السمنة وفقر الدم وحالات التسمم أحيانًا من بعض المطاعم التي لا تراعي شروط النظافة والأطعمة الطازجة وطريقة تخزينها وطهيها.
مجتمعنا العربي مشهور بمطبخه وتنوُّع أكلاته، كما أيضًا أمهاتنا النشيطات اللاتي يحرصن على إعداد السفرة لأسرهن؛ فقد كانت النساء تتباهين بـ(عدلهن) في المطبخ والبيت، فهل يمكن أن أعتبر أن انشغال المرأة اليوم عن أسرتها أو كسل البعض هو سبب الإقبال على الطعام الجاهز من خارج المنزل؟! أم هي المغريات الكثيرة في المطاعم، والنكهات الصناعية التي يدمن عليها الناس!؟
في الغرب المرأة تعمل والرجل يعمل لتسديد فواتير الحياة والضرائب المرهقة، ووتيرة الحياة لديهم مرهقة، ويومهم خارج المنزل طويل، ولا يعتمدون كما مجتمعنا العربي على خادمات أو من يقوم بالطبخ؛ لذلك هناك وجبات جاهزة من السلطات والشطائر الغنية بالمواد المتنوعة، تمتلئ بها المحال التجارية ومحال بيع الباجيت والخبز، وذلك أثناء النهار، لكن في نهاية اليوم تجتمع الأسرة على الطعام المعد بالمنزل بطرق سريعة وصحية مدروسة.
أحب إعداد الطعام على الطريقة الأوروبية؛ فهي لقصر وقت الطبخ تحتفظ بالمكونات الغذائية للأطعمة، كما تعتمد على الخضار والأسماك واللحوم المتنوعة، وتتناولها الأسرة مباشرة بعد الطهي؛ فلا تبقى مدة تتأكسد فيها الأطعمة، وتفقد قيمتها الغذائية.
يمكننا تخصيص يوم في الأسبوع لتناول الطعام في المطعم أو طلبه منه، لكن لا يمكننا أن نستسلم لفوضى الأطعمة الجاهزة والمطاعم التي تتغلب الكربوهيدرات والسعرات الدهنية العالية على القيمة الغذائية فيها.
في الاستراحات هناك نشاط ملحوظ للشباب في إعداد الوجبات اللذيذة؛ مما يجعلها صحية ومضمونة. وكذلك نشطت فتيات كُثر لامتلاك مطاعم خاصة بهن، تُعد الأكلات الشعبية السعودية. وفي هذا وعي نحتاج إليه اليوم وسط المغريات الكثيرة للأطعمة الجاهزة (junk food).