د. عبدالحق عزوزي
نتذكر أنه منذ أزيد من سنة، أدت درجات الحرارة المرتفعة واستمرار موجة الجفاف في أستراليا إلى انتشار موجة حرائق غير مسبوقة في البلاد، وهو ما أسفر عن مقتل العشرات من الأشخاص ونفوق ملايين الحيوانات. وقد أتت الحرائق على نحو 60 ألف كيلومتر مربع من الغابات والأحراش والحدائق. وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في هذا الصدد إن ارتفاع درجات الحرارة عالمياً وهي السبب الرئيس في مثل هاته الحرائق، يرجع إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وبمعنى آخر فإن البشرية تدفع ثمن هذا الاحتباس الحراري وثمن الاستغلال اللا إنساني لثروات الأرض التي تؤدي إلى التلوث وأخواتها؛ وما هاته إلا البداية؛ فإذا كان هناك سبب كبير للأحداث التي ستؤثر تأثيراً عميقاً في جميع البشر في كل أصقاع الكرة الأرضية في العقود المقبلة، فسيكون هو التغير المناخي لا محالة، وستؤثر عواقب هذا التغير في كل أنحاء الكرة الأرضية ربما ليس في التوقيت ذاته أو بالشدة نفسها، ولكنها ستلحق بنا جميعاً في نهاية المطاف.
ومنذ مدة حذر البنك الدولي من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين أكثر الأماكن على الأرض عرضة للخطر نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر، خاصة المناطق الساحلية المنخفضة. كما توقع أن يتعرض عشرات ملايين البشر في المنطقة لضغط نقص المياه بحلول عام 2025. وشح المياه نتيجة الجفاف سيؤدي بدوره إلى زيادة الضغط على موارد المياه الجوفية وإلى قلة المحاصيل الزراعية، مما سينعكس على اقتصاد هذه الدول، وعلى العائدات من المحاصيل الزراعية والسياحة، وعلى معدلات البطالة وضعف القدرة الشرائية وما سيتبعها من مشكلات مجتمعية.
وقد أظهرت البيانات الصادرة مؤخراً عن «كوبرنيكوس» أن السنوات الخمس الماضية كانت الأكثر حراً على الإطلاق، وكانت الفترة الأكثر دفئاً منذ بدء التسجيلات. وارتفعت الحرارة على مستوى العالم في العام 2019، نحو 0.6 درجة مئوية عن متوسط الأعوام 1981 - 2010، كما ارتفعت حرارة الأرض خلال السنوات الخمس الماضية ما بين 1.1 و1.2 درجة مئوية مقارنة بالفترة ما قبل الثورة الصناعية. وأضافت «كوبرنيكوس» أن تركيزات الكربون في الغلاف الجوي استمرت في الارتفاع في عام 2019 ووصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. كما قالت الأمم المتحدة العام الماضي إن انبعاثات غازات الدفيئة يجب أن تنخفض بنسبة 7.6 في المائة سنوياً وصولاً إلى عام 2030 من أجل الحد من ارتفاع الحرارة 1.5 درجة مئوية.
وفي هذا الصدد سيجتمع بعد أيام زعماء من كل أنحاء العالم بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس وسلفه بان كي - مون في قمة افتراضية تستضيفها هولندا للبحث في سبل تكيف البشرية مع تغير المناخ، وتعقد هذه القمة من خلال تقنية المكالمة عبر الفيديو بسبب الوضع الوبائي لفيروس كورونا. ولا جرم أنه إذا لم نتعلم كيف نتعامل مع العواقب، وإذا لم نتمكن من التكيف، فسيكون تأثير الاحترار المناخي كارثياً. من جانبه لفت رئيس الوزراء الهولندي مارك روته إلى أن بلاده التي يقع ثلث أراضيها تحت مستوى سطح البحر، لديها خبرة تعود إلى قرون في حماية اليابسة من المياه وأنه يأمل في مشاركتها مع الآخرين. ويعتزم بوريس جونسون إطلاق مبادرة دولية سميت «أدابتيشن أكشن كوالشن» ستضم المملكة المتحدة ومصر وبنجلادش وملاوي وهولندا وسانتا لوتشيا والأمم المتحدة.
وسيعمل هذا التحالف على «ترجمة الالتزامات السياسية الدولية» بشأن التكيف مع تغير المناخ والقدرة على مواجهته إلى «دعم ميداني للمجتمعات المعرضة للخطر»، وفقاً لرئاسة الوزراء البريطانية.
وتضمن بيان لرئاسة الوزراء أن بوريس جونسون سيعلن خلال القمة أنه «ليس هناك من ينكر أن تغير المناخ يحدث فعلياً ويتسبب في تدمير الحياة والاقتصاد. نحن في حاجة إلى التكيف مع مناخنا المتغير، وعلينا أن نفعل ذلك الآن».
ومع قرار الرئيس الأمريكي بايدن إرجاع بلاده إلى اتفاقية باريس للمناخ التي تخلى عنها الرئيس دونالد ترامب وإعادة العمل بمجموعة كبيرة من القوانين البيئية التي أقرت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وتخلى عنها ترامب، وعرضه لقائمة أسماء الأعضاء الرئيسيين في فريقه المكلف بملف المناخ، ويقينه بأن مكافحة الاحتباس الحراري الذي يعد «تهديداً وجودياً» ستكون محوراً أساسياً في إدارته الساعية لإعادة بناء الاقتصاد الأمريكي المتضرر من جائحة كوفيد - 19، كل هذا يبعث آمالاً لإحياء المساعي الدولية لمعالجة التهديد الوجودي في عصرنا هو التغير المناخي.