زكية إبراهيم الحجي
عندما بدأت الأدبيات الغربية بالحديث عن تنظيم القاعدة لم تكن عبارة «تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يُطلق عليها اختصاراً بتنظيم داعش رائجاً في ذلك الوقت رغم أنه من سلالة تنظيم القاعدة.. الذي بسط شوكته على أجزاء واسعة من خريطة العالم ونسج خيوطاً لتنظيمات إرهابية أخرى في شبكة واحدة ولخدمة هدف واحد.. وفي عام 2004 انبثق تنظيم داعش من تنظيم القاعدة الذي أسسه وأرسى دعائمه «أبو مصعب الزرقاوي» عندما شارك في العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية في أعقاب غزو العراق.. وفي عام 2014 تولى أبو بكر البغدادي قيادة تنظيم داعش إلى أن أعلن «ترامب» رئيس أمريكا السابق عن مقتل «البغدادي» في عملية أمريكية بعد فترة طويلة من المتابعة الأمنية المكثفة من قِبل أكبر وأعرق أجهزة الاستخبارات في العالم.
مقتل البغدادي لا يعني نهاية التنظيم وفكره وشروره وما تبع ذلك من ممارسات وحشية منحرفة عن الدين الذي يجاهرون به وتعمده تدمير تراث البشرية.. فرغم هزائمه في العديد من المواقع وانتزاع غالبية الأراضي التي كان تنظيم داعش الإرهابي يسيطر عليها في كل من سوريا والعراق، وأيضاً رغم تفكيك بعض عناصره ولجوء عناصر أخرى إلى المناطق الجبلية والاختباء في الكهوف الجبلية، إلا أن ثمة مؤشرات متنامية على أن تنظيم داعش يحاول ترتيب صفوفه بعد عامين من خسارته للأراضي التي استولى عليها في العراق وقتلَ أهلها وشرَّدَ آخرين.. السؤال الذي يدور في الأذهان ترى ماذا تعني الهزيمة التي تلقاها التنظيم -مؤخراً- في كلٍّ من العراق وسوريا.. هل تعني اهتزاز أركان المشروع الأيديولوجي والفكري بأكمله وبالتالي نهاية الحلم الذي مثَّله «داعش» أم أن ما حدث هو هزيمة مؤقتة؟
إن ظاهر الجواب عن الأسئلة السابقة تشير إلى أن هذا التنظيم لم يعلن الاستسلام والاعتراف بخط النهاية، وبالتالي فإن الطفرة التي أحدثها لا تزال قائمة وأنه ما زال يحافظ على ديناميكيات فعالة في إعادة الهيكلة والإنتاج والتكيف مع المرحلة الحالية، وما يبدو الآن أن التنظيم بدأ فعلاً في الانتشار مجدداً مستغلاً هشاشة الوضع السياسي وحالة الفوضى في المناطق المتأزمة، إضافة إلى استمرار وجود خلايا ناشطة وتابعة للتنظيم متحصنة في بعض بؤر الصراع.. وليس أدل على أن هذا التنظيم الإرهابي قد رتب صفوفه واستعاد قوته واستغل الغياب السياسي وحالة عدم الاستقرار في العراق، فشنّ الأسبوع الماضي هجوماً انتحارياً مزدوجاً وسط بغداد، مخلفاً بذلك حصيلة ثقيلة من القتلى والجرحى ومشاهد من دمار أظهر بشاعة التفجير، ليعلن بعدها تنظيم داعش الإرهابي وفي بيان له عن مسؤوليته وتبنيه تفجيراً ناجماً عن هجوم انتحاري مزدوج.
بناءً على ما سبق فإن الظروف الأمنية والسياسية المضطربة في مناطق التأزم ساعدت تنظيم داعش الإرهابي بشكل كبير على الاستدارة لتعزيز وجوده وتمكين قدرته، رغم انهزامه في الفترة السابقة، ما يعني أن هذا التنظيم ما زال قائماً ولن تُكتب له نهاية طالما كانت له بيئة حاضنة وخصبة تساعده على الصعود والتمدد.. فهل هذه البيئة تركية أم إيرانية أم كلاهما معاً؟