هناك ارتباط وثيق وتلازم بين الرضا والسعادة؛ فكلما كان الإنسان راضيًا عن حاله وما هو عليه كان سعيدًا، والعكس صحيح.
والناس يتفاوتون في حجم السعادة التي يعيشونها، ومقدار شعورهم بها، وطريقة التعبير عنها، وذلك مرتبط بأمور كثيرة، ليس هذا مجال ذكرها، لكن على رأسها الرضا.
والسعادة شعور داخلي لدى الإنسان، يجعله ينظر إلى الحياة بشكل مختلف عما يراها به غير السعداء.
وقد تعددت المفاهيم عن ماهية السعادة، واختلف الناس فيها؛ فكلٌّ ينظر إليها من خلال الحال التي هو عليها؛ فالملتزم يرى أن السعادة في التقوى، والثري يرى أنها في المسكن والمركب والمأكل... إلخ، والمريض يراها في الصحة، والأعزب يرى أنها في الزواج، والعاطل يجدها في العمل أو الوظيفة... وهكذا.
وبتأمل أحوال الناس فإن هناك صنفًا خاصًّا من (السعداء) الذين هم في حقيقة الأمر يعيشون واقعًا آخر وحياة أخرى (غير السعادة)؛ فالسعادة فيها مجرد مظهر يتظاهرون به أمام الآخرين.
وهذا الصنف من (مدعي السعادة) يختلف المتظاهرون به حسب أحوالهم.
فهناك من يتظاهر بالسعادة من أجل إسعاد من حوله، كالوالدين عندما يحرمان نفسيهما من أشياء كثيرة هم بأمسّ الحاجة لها من أجل سعادة الأبناء، أو عندما يعانيان من المرض أو بعض المشاكل ويخفيانها عن أبنائهما حتى لا يعكرا صفوهم.
وهناك من يتظاهر بالسعادة و(يختبئ) خلفها؛ ليخفي ويداري أحزانًا وآلامًا يعيشها خشية من نظرة الشفقة والحزن التي يهرب منها، ولا يريد رؤيتها في عيون الآخرين. وهناك من (يتصرف) تصرفات السعداء وهو بخلاف ذلك، بل يعيش إخفاقات وإحباطات، لكنه يتظاهر بالسعادة لمحاولة إقناع من حوله بأنه يعيش نجاحات ويحقق إنجازات (وهمية) هي سبب سعادته. وهو يقوم بذلك كله خشية من شماتة الشامتين بفشله.
والعجيب أن هناك من يتظاهر بالسعادة من باب المحاكاة ومجاراة الغير من السعداء، أي يحاول تقليد الآخرين حتى في سعادتهم! وهو بخلاف ذلك، بل قد يكلفه ذلك كثيرًا، وأول ذلك الكثير جلب مزيد من التعاسة لنفسه!
ومن المتظاهرين بالسعادة من لديه مقومات السعادة لكنه لا يحسن توظيفها لأسباب عديدة، ولم يتعامل معها بالشكل الصحيح، لكنه يحاول إقناع نفسه بأنه سعيد، ويتعايش مع هذا (الوهم)، وهو أول من يعلم أنه بخلاف ما يحاول إظهاره.
والسلسلة تطول!