د.بكري معتوق عساس
من عجيبِ قصةِ موسى والخضر عليهما السلام - وكلُّها عجائبُ - خبر ذينِكَ الغلامينِ اللذين دفن أبوهما تحت جدارِ البيتِ (كنزاً) مدخراً، فماتَ وهما صغيرانِ، فتداعى الجدارُ مع الزمنِ، وكاد أن يسقطَ، فأقامه الخضرُ رغمَ أن أهل القرية لم يحسنوا استقباله ولا ضيافته! وكان السببُ الذي من أجله سخّر الله نبيَّينِ كريمَين من أنبيائِهِ عليهما الصلاة والسلام، يقطعان الأرض ليصلا لهذه القرية، ويكونا سبباً في حفظ مال الغلامين، كان السبب هو ما ذكره المولى جلّ جلاله: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}.
لقد كان صلاحُ الأبِ سبباً في حفظِ الأبناء. ورُوي عن ابن عباسٍ أنه قال: «حُفظا بصلاح أبيهما، وما ذُكِر منهما صلاح»!
وهذه القاعدة القرآنية قد شاهدتُ لها مصاديق فيما مرّ بي من تجارب الحياةِ.
كان لي قريبٌ بالسنّ، لديه قارئٌ يُعلم أولادَهُ القرآن الكريم، وكان هذا القارئ من حفظةِ كتاب الله، ومن أهل الصلاح. وفي يوم من الأيام ذهب ابنُهُ مع أصدقائه في جولة بحريةٍ، فلعب الموجُ بالقاربِ فانقلب، ومات كل من فيه إلا ابنُ هذا القارئ الصالح! وما أظنه نجا إلا بصلاح أبيه مصداقاً للآية: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}.
وكان لنا جارٌ في دارنا القديمةِ، رجلٌ كبير السنّ، من أهل الصلاح والتقوى وملازمة الصفّ الأولِ، ماتَ -رحمه الله- وترك لأبنائه تجارةً ومالاً، وفي وقتِ فورةِ الأسهم جمعَ الابنُ الأكبر كل ما لديه ولدى إخوانه من مال ودخل به في تجارة الأسهم. وبعد مدةٍ رأى هذا الابنُ أباه الصالح في المنام وهو يقول له: يا بُني، اسحب الأموال حالاً من سوق الأسهم ولا تتأخر؛ ففعل الابنُ وسحب أمواله وأموال إخوانه كاملةً، ولم يمرّ على هذا السحب أسبوعٌ واحدٌ حتى وقعتْ كارثة الأسهم الشهيرة! فكانتْ نجاتهم ببركةِ هذا الأب الصالحِ.
وكان مصداقاً لقوله الله: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}.
ومما مرّ بي أيضاً أنّ أحد زملائنا المصريين أيام الدراسة في جامعة ويلز مرتْ به أزمةٌ قانونية أكاديمية في الجامعةِ، وتسلط عليه مشرفُهُ، فتعقدتْ أموره، وكاد أن يُرحَّل من بريطانيا، فتحدثت معه ذات يوم فقال لي: أنا لستُ خائفاً، لقد كان أبي رجلاً صالحاً، كما أنني حفظتُ وصيته في إخواني فعلّمتهم وربيتهم وحافظتُ عليهم.
وفعلاً.. انفرجتْ أزمتُهُ بعد ضيقها، وأتم دراسته. ولعلها بركةُ صلاح أبيه: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}.
إنها سنةٌ ربانية.. أن ينعكس صلاحُ الآباء على الأبناءِ ولو من أجيالٍ بعيدة. وقد جاء في كتب التفسير أن الأب المذكور في سورة الكهف هو الجد السابع، وقيل العاشر!
فلنحافظ على أبنائنا بصلاحنا وتمسكنا بشرع ربنا.