د. عبدالرحمن الشلاش
قد يعتقد بعض الناس أن سعادته في الحياة تكمن في امتلاك المال, أو المنصب الرفيع والجاه والوجاهة وامتلاك السلطة والأمر والنهي وبالتالي تمكِّنه تلك المقومات أو بعضها من العيش في سعادة غامرة وحبور. أكل وشرب وسفر والسكن في أحسن البيوت وامتلاك السيارات وقد تصل للطائرات.
هذه نظرة بعض الناس للحياة، إذ يرون أن من لا يملك تلك المقومات محروم من السعادة. يعيش تعيساً مهموماً، شارد الذهن قلقاً على نفسه ومستقبله، يقضي جلَّ وقته في نوبات طويلة من الأسى والحزن. الفقير والمسكين والمعدم والموظف البسيط في نظر هؤلاء يعيشون في تعاسة. قد نرى في نظرتهم قصوراً في الفهم أو الإدراك وعدم شمولية في سبر أغوار الحياة.
جلست يوماً في إحدى المناسبات بجوار واحد من كبار رجال الأعمال في المملكة يمتلك مليارات وحقق نجاحات عظيمة في عالم الأعمال همس لي قائلاً: كنت أتمنى الحصول على شهادة عالية تعزِّز مكانتي. قلت له ولكنك تملك ما هو أفضل من الشهادة. قال لا، أضاف: أعتقد أن الشهادة مهمة أيضاً. تعجبت من تفكيره وأدركت أن مثل هذه القناعة لديه ستعكِّر عليه الصفو وستبعده عن أجواء السعادة إذا لم يقتنع بما قُسم له. إذا لم يفهم الحياة كما يجب.
الإنسان البسيط هل هو غير سعيد؟ الفقير هل هو محروم من السعادة؟ من تنقصه بعض الأشياء هل يعيش بؤساً غير مسبوق؟ هل تكمن السعادة في شهادة أو مال أو منصب أو جاه أو شهرة ونحوها من الأشياء التي تجعل من يشاهدون الأغنياء والمشهورين وغيرهم يعتبرونهم أسعد مَن هم على وجه الأرض؟
لنرجع قليلاً لنرى من ينطوون على أنفسهم ويصابون بالاكتئاب والأمراض النفسية, ومن يعيشون في أجواء التوتر والقلق ومن يصابون بالغرور والكبر والتسلّط وغيرها من السلوكيات غير السوية، هل هؤلاء معدمون أو فقراء ومساكين أم هم من الأغنياء والمشاهير؟
قد يقول قائل: إن الأغنياء والمشاهير وأصحاب المناصب ومَن أعطاهم الله من ملذات الحياة هم من يصابون بتلك الأمراض المزمنة، بينما يرى غيرهم أن الفقراء هم أكثر الناس اكتئاباً وقلقاً وتوتراً وحزناً!
الواقع لا هذا ولا ذاك. الأمر ببساطة مرتبط بمدى فهمنا للحياة. إن رزق الإنسان سيأتيه مع شيء من العمل لذلك الرضا بما قُسم من الأسباب المؤدية للسعادة. انشغال المرء بنفسه عن الانشغال بما لدى الناس سيجنبه الصراعات والتناحر والقلق والتوتر, الفرح بما يحققه غيرك يجعلك محباً للناس تشارك غيرك سعادته فتزيد من مساحة السعادة لديك. القناعة برزقك وأنك موعود بما هو أجمل سيزيد من مساحات الأمل والفرح لديك, وأن لديك ما هو جدير بأن تستمتع به. فهم الحياة يستدعي أن تكون مستمتعاً بوقتك وبما تملك وأن لا تهدر عمرك القصير في اجترار الأفكار السلبية المعيقة للسعادة.