محمد آل الشيخ
من يقرأ تاريخ مواقفنا مع كثير من دول المنطقة العربية يجد بمنتهى الوضوح أنها مواقف مشرفة وكريمة، ولم نبخل قط بثرواتنا وما حبانا الله من نعم على شعوب تلك الدول العربية، وفي مقدمتها دول الشمال العربي، وبالذات شعب دولة فلسطين.
مشكلتنا العويصة تكمن في أن بعض تلك الدول دول فاشلة، ومتخلفة في التنمية، فضلاً عن أن الفساد يُعشش في تعاملات نخبها ومسؤوليه، بالشكل الذي جعل أية مداخيل مالية ذاتية وإعانات تأتي إليها من الخارج تستأثر بها طبقة طفيلية وانتهازية ومتنفذة وفاسدة، وتُحرم الشعوب منها.
ولنا طوال العقود الماضية مع هذه الدول، حكاماً ومحكومين، تجارب طويلة شاقة ومضنية، تحمّلنا فيها اللوم رغم أن الحقيقة التي يعرفها كل إنسان موضوعي تكمن في أن المشكلة يجب أن يتحملها حكام هذه الدول لا نحن.
في أوائل الثمانينيات جاءت الثورة الإيرانية إلى المسرح السياسي، فظنت شعوب المنطقة العربية أن الوقت قد حان لتساعدها هذه الثورة المجيدة على التخلص من أغلب حكامها الذين قفزوا إلى السلطة من على ظهر دبابة، فتعلّق كثير من شعوب منطقتنا بالإمام المنقذ، وظنوا أنه (المخلص) وأنه سيحقق لهم ما عجز حكامهم عن تنفيذه. غير أنهم اكتشفوا بعد مرور قرابة الأربعة عقود أنهم كانوا مخدوعين ومغرر بهم، وليس أولئك القوم المتأسلمون إلا فرساً يملأ جنباتهم أحقاد تاريخية دفينة، وليس الولي الفقيه إلا صورة مموهة من كسرى أنو شروان، جاء في ثوب فقيه، ليثأر ممن سحقوا إمبراطوريتهم، وألغوها من الوجود، وليس التشيع ونصرة أهل البيت، وتلك العمائم السوداء والبيضاء إلا مجرد وسيلة ليستطيعوا بها أن يستعيدوا إمبراطورية درست وتلاشت تحت أقدام الخيل العربية حينما هزموهم شر هزيمة في معركة القادسية.
اكتشف أغلب العرب أن إيران دولة فارسية أولا، تتظاهر بنصرة الشعوب، لكنها في الحقيقة لا تختلف عن أي مستعمر آخر جاء ليستولي على ثرواتها ليقيم بها إمبراطوريته، لا ليعين الإنسان العربي متفوقاً، قادراً على اللحاق بالأمم المتقدمة التي سبقته حضارياً.
ثم ظهر على السطح أردوغان، ولوّح لبني يعرب بدولة الخلافة، التي سيستعيد بها الإنسان المسلم فترته الذهبية التي تسيد فيها على العالم، فوجدت فيه جماعة الإخوان المسلمين حلمها الذي تدعو إليه منذ ما يقرب من تسعين سنة، فهرول كثير من بني يعرب خلفه، وصار الزعيم الأوحد، الذي لا يُشق له غبار، ولا تهزم له راية، ونسوا، أو لعلهم تناسوا تاريخ بني عثمان الدموي معهم، وكيف أنهم ذلوهم واحتقروهم وأخروهم وسعوا إلى (تتريكهم)، وطمس الهوية العربية، ومع الزمن بدأ كثير منهم يستيقظون، ويكتشفون أن (الأجنبي)، أي أجنبي، هو أولاً وأخيراً محتل أو مستعمر، لا يختلف الفارسي عن التركي، وأن الحل في اجتماعهم، والتكامل بين دولهم، وتنسيق مواقفهم، وتقوية (الدولة الوطنية) لتكون النواة التي يُبنى عليها هذا التكامل.
أما الاستقواء بالأجنبي، تركي سني مسلم، أو إيراني شيعي مسلم، فلا يختلف إطلاقاً، وأكرر إطلاقاً، عن أي احتلال بغيض آخر. واسألوا إخوتنا عرب الأحواز عن صحة هذه المقولة.
إلى اللقاء