أحمد المغلوث
من الأشياء المحببة التي تعلمناه منذ الصغر وزرعها في نفوسنا أولياء أمورنا هي الوفاء. هذه الصفة الإنسانية العظيمة والجميلة والمشرقة في نفوس وقلوب المسلمين وغير المسلمين. ومع مرور الأيام وتباعد البشر لأسباب مختلفة مثل التنقل من مكان إلى مكان طلباً للرزق أو لظروف العمل أو التجارة أو حتى العودة إلى مناطقهم ومحافظاتهم.. البعض منَّا حصل له ذلك وأكثر من ذلك. لكن ومع مرور الأيام لا يُصح إلا الصحيح، نجد أن الإنسان الوفي تجده مهما باعدت الأيام بينه وبين معارفه دائم السؤال عنهم. وحتى التقصي عن أخبارهم وأحوالهم، لا لشيء إلا من أجل الاطمئنان عليهم، فهم قبل وبعد كانوا يوماً ما أكثر قرباً منه ويراهم دائماً بحكم عمله ومسؤولياته، هذا إذا لم تتح له اللقاء بهم أو الاتصال بهم، فهو يشعر بسعادة كبيرة عندما يعلم أنهم في خير حال.. هذا الشعور الكبير الذي يحمله البعض منا تجاه الآخرين خاصة من كانت بينه وبينهم علاقة ما.. ومحبة في الله ورسوله. هذا الشعور يسود داخل النفس ليختلط بفضائلها وقيمها التي يؤكدها ديننا الإسلامي. فالقيم الإنسانية عندما تتضاعف يوماً بعد يوم داخل النفوس.. تعبِّر عن وفاء وإخلاص مطلوبين في زمن الماديات. فالله سبحانه وتعالى أكد أهمية الوفاء لصالح وصلاح كل إنسان.. بل إن الوفاء والولاء مطلوبان للوطن وقيادته، فكم من وطن سادته المحبة بين مختلف أفراده.. فتضاعف العمل والإنتاج بل وبات الوطن يعيش في رغد من العيش والأمن والأمان والاستقرار. وبالتالي عندما تتضاعف قيم الوفاء في الوطن وتسود بين أفراده المودة تنتشر فيه أنوار مضيئة تثير في النفوس السعادة والبهجة. الأسبوع الماضي عشت وما زلت حتى كتابة هذه السطور.. مشاعر كبيرة من السعادة والبهجة عندما علمت من أحد الأحبة أن أخاً حبيباً عرفته قبل خمسة وأربعين عاماً وهو على رأس عمله كمسؤول كبير في «بلدية الأحساء»، إنه سعادة الشيخ حمد الصغير رئيس بلدية الأحساء أيامها دائماً السؤال عن شخصي المتواضع -أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية.. وربما يجهل البعض أن أبا محمد يتمتع بالعديد من الخصال المتميزة التي تُذكر ويُشكر عليها. فهو إنسان ودود ومثقف وقارئ جيد لما يُكتب في الصحافة. وعلى قدر كبير من التواضع. وكان صدره واسعاً.. ومتابعًا لمختلف المشاريع التي كانت تُنفذ في المنطقة خلال سنوات عمله. وأذكر أنني طلبت منه أن يسمح لصحيفة «الرياض» التي كنت أعمل بهسابقاً أن نقوم بجولة معاً على ما يُنفذ وقتها من مشاريع، فلم يتردد سعادته بل أبدى استعداداً كبيراً لذلك.. فكانت جولة ميدانية موفقة حظيت بتقدير كبير من صاحب السمو الأمير محمد بن فهد بن جلوي أمير الأحساء - رحمه الله -.. ومن الأشياء التي أذكرها أننا كنا نجتمع معًا في «دارية» نصف شهرية يرأسها سمو الأمير محمد، وتضم كلاً من الشيخ سعد المنقور والشيخ محمد المبارك والأستاذ عبد الرحمن اليمني -رحمهم الله- والأستاذ حمد وأنا.. وكانت أشبه بحلقة ثقافية تسود فيها الأحاديث ذات الشجون. والحق أن حبيبنا أبا محمد كان يثري «الدارية» دائماً بثقافته الواسعة.. ومعلوماته القيمة.. ومن الجميل أن نكتب عن من نحب وهو يعيش بيننا.. أليس كذلك.