سهوب بغدادي
يعود أصل كلمة «نادي» إلى مصدرها نادى، وتأتي بمعنى النداء للالتفاف والالتفات إلى أمر ما. في الوقت الذي تعرف الأندية في تعاريفها المعاصرة بالمكان المهيّأ لجلوس القوم فيه، والغالبُ أن يتفقوا في صناعة أو طبقة.
مما تقدم، لا أقصد بذلك الأندية الرياضية في يومنا هذا على الرغم من أهميتها. إلا أنني خصصت مقالي اليوم لفئة مكنونة في قلوبنا وفي منازلنا، وهي فئة «كبار السن»، هذه الفئة التي تتضمن آباء وأمهات وأجداداً وجدات وأكثر-حفظهم الله وأطال في أعمارهم- فغالبا ما يكون في كل عائلة فرد كبير السن ويشتكي من قلة زيارة الأبناء والأحفاد لهم، خاصة في ظل جائحة فيروس كورونا التي شكلت عبئاً إضافياً على كبار السن نظراً لخوف الأبناء عليهم وعلى صحتهم، فتعمد العديد منهم التخلف عن ليالي الأنس الأسبوعية أو الخطفات اليومية التي تشكل أبرز ملامح أيام كبارنا. فيما نلمس في كبار السن ظاهرة النسيان المتكررة، باعتقادي أنهم بخير إلا أن العزلة وتكرار الأحداث الرتيبة وقلة التحفيز للعقل والجسد عوامل تساهم في النسيان، وذلك ما يحدث معي عندما أمكث مطولاً في المنزل سواء في أيام منع التجول أو عزلتي الاختيارية، فلمست تقهقرا ملموسا في اهتمامي وملاحظتي للأشياء والأحداث. فتارة أغفل عن ماهية اليوم وتارة أخرى أسهى عما فعلت بالأمس. بغض النظر عن المشكلة العالمية لكبار السن فالأحوج أن ننظر إلى الحلول، ومن أبرز الحلول تدشين مراكز وأندية لكبار السن، قد تبدأ الفكرة بمركز أو اثنين كأداة قياس مدى إقبال الفئات المعنية ومن ثم تعمم على جميع الأحياء الكبيرة في المملكة. في حين تعنى هذه أندية ندية كبار السن بتقديم الخدمات الترفيهية والثقافية وشغل أوقات الفراغ من خلال توفير المساحة المناسبة لالتقاء كبار السن مع بعضهم البعض وتكوين صداقات من ذات الفئة العمرية. فضلا عن توفير أشكال مختلفة من الأنشطة الثقافية والرياضية وألعاب التسلية والرحلات الخفيفة والأفلام.
وبالتأكيد يكفل النادي لكبير السنّ مساعدتِه في حل المشكلات التي تعترضه وتقديم الدعم النفسي لهم، كما تقدم خدمات التوصيل بسيارات مجهزة لأوضاهم من وإلى المنزل. دون إغفال جانب سلامتهم النفسية والجسدية في منازلهم، فالعديد من كبار السن يتعرضون إما للإهمال أو أحد أشكال العنف النفسي واللفظي والجسدي أو كل ما سبق ذكره من قبل مقدم الرعاية «الخادم».
لا أخفيكم أن سبب كتابتي لهذا المقال ومحاولتي إيجاد الحلول وإن كانت على المدى البعيد هو حديثي مع طبيبة تحدثت عن دراسة تعنى بأبرز مخاوف فئة كبار السن، فكانت الأغلبية العظمى من مخاوفهم «الخوف من أن يتركهم الأبناء في مكان ما دون أن يعودوا لأخذهم»!! فيما أغرقت تلك الإجابة الموحدة العيون بالدموع، ولا زالت تأخذ حيزاً من تفكيري اليومي، لنفرض أننا وفرنا الأندية والمراكز التي تضفي رونقا لأيامهم، فهل سيذهبون حقا؟ بالطبع لا، فغالباً ما يشعر كبار السن أنهم عبء وحمل ثقيل و»شخص يكلف على الناس»، وقد يتواجد مكان أو اثنين في الرياض يعد مناسبا لهذه الفئة لكن الرعب لا يزال يتغلغل فيتشعب في نفوس «بركة منازلنا».
من هنا، أجد أن فكرة أندية ومراكز كبار السن ممتازة، شريطة أن يتم انشاؤها وفق معايير موحدة تعمم على كافة الأنشطة المماثلة في أرجاء الممكلة، أيضا أن تعمل الجهة المعنية وقد تكون وزارة الموارد البشرية والخدمة الاجتماعية في نشر الوعي بالطريقة الملائمة وتشجيع هذه الفئة ومن يقدم لهم الرعاية على الانخراط في الأندية، ويكون ذلك بحملات مقننة ومدروسة سابقة لافتتاح المراكز وبعد الافتتاح.
كما تشكل أندية ومراكز كبار السن مكانا ملائما للعمل التطوعي الرسمي والخدمة المجتمعية والتدريب وخلق فرص عمل جديدة. بالتشديد على أن هذه المراكز ليست الشيطان الأكبر «دور العجزة» ويتم التوعية وبرمجة المتلقي على هذا الأمر تباعاً.
أرغب حقيقة بإنهاء المقال دون أن أغفل جانباً أو لمحة ما عنه، إلا أن الحديث في هذا السياق يطول ويتشعب دون أن ينتهي الحزن الذي يخلفه الحديث عنه.
#كبارنا_بركة