بعيداً عن التعريفات العلمية التي تتحدث عن التراث والموروث الثقافي بشكل عام، وأنه نتاج التراكمات التي بقيت شاهدة على حضارات سابقة سواء كانت مادية أم غير مادية. فإن ما قدّمه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد -حفظه الله- للتراث السعودي تجاوز البحوث الأكاديمية، والتسويق والنشر الإعلامي، فخلال ثلاث صور قدّم التراث السعودي والتراث الطبيعي إلى أنحاء العالم، خلال استضافته لرئيس الوزراء الياباني عام 2020، ومن ثم وزير الخارجية الإيطالي، في بيت شعر نُسِجت زينته الداخليّة من السدو المحلّي الذي يعتبر جزءاً من ثقافة بيت الشعر، ويرتدي وضيوفه الكرام المعطف الشتوي السائد في المملكة، ومن ثم يطل على العالم من بيت الشعر مشاركاً في المنتدى الاقتصادي العالمي، مما جعل صورته -حفظه الله- بين جبال الهضب شرق العلا مقابلاً لبيت الشعر في الفضاء الفسيح بعيداً عن الصخب الحضري حديث العالم لتتصدر أخبار هذا الحدث الاقتصادي الدولي.
هذه الصور رسالة سامية عن أهمية التراث كمحور ثقافي وهوية ثقافية لا يمكن التنازل عنها في خضم صراع الحضارات والتقدم التكنولوجي، وأن ممارسة الحياة كعمل في بناء الأوطان وتعزيز مكانة الدول من حيث القوة الاقتصادية لا يجب أن تكون في معزل عن التراث، رسالة سامية، عميقة ودلالاتها لا يمكن أن تختزل في مقال، وفي الوقت ذاته يطلق المدينة الذكية (ذا لاين) في نيوم المستقبل، ليثبت للجميع داخل الوطن وخارجه عن التعايش التوافقي والترابط القطعي بين تنمية التراث والطبيعة والتقنية الحديثة في بناء المدن الذكية، وتسخير الأخيرة في خدمة التراث والطبيعة، وهذا يثبت مبدأ إدارة الأصول الثقافية وكيفية التعامل معها كهوية وطن لا يمكن تجاوزها أو حتى اختزالها، وأنها عامل أساس ومحرّك رئيس في مقصورة الاقتصاد الوطني.
إضافة إلى ذلك، ولأن الحديث عن الاقتصاد خلال الصورة التي انتشرت حول العالم من منطقة شرعان، فإن شرعان كان مورداً اقتصادياً إلى قبل سنوات قريبة، حيث كان مصدراً للغذاء من خلال الفياض الموسمية واستزراع القمح على موسم الأمطار، فهذا التواصل والترابط بين المكان وابن الوطن متمثلاً في شخص سمو ولي العهد يعزز الثقافة الرسمية التراثية، وينمّي الارتباط لدى النشء في التعايش مع مكوّنات الوطن الثقافية والطبيعية وأهمية معرفتها ورعايتها وحفظها، وأن الثقافة المستوحاة من الواقع هي أحد أهم العناصر الأساسية في تكوين الهوية الجماعية.
ويمكن أن نقول حقاً، إن التراث السعودي يعيش في أوج عصره الذهبي.
** **
- مرضي الخمعلي