خالد بن حمد المالك
في حياة كل منا أيام صفاء وسعادة وحبور، ومثلها كدر وحزن وآلام، تتفاوت نسبها، وتختلف في سقفها، لكنها تبقى مؤثرة بحسب الموقف، مختلفة من شخص لآخر، وفي كل الأحوال هذه هي الحياة تتغير وتتبدل، ويشوبها ما يبهج وما ينغّص، كأننا في وجل وخوف أحياناً، وفي سعادة ورضى أحياناً أخرى.
* *
نبتسم مع كل موقف جميل وحدث أنيس وآسر، يغشانا الخوف كلما مسنا الجزع، ويأخذنا المسير إلى ما لا نتمناه في بعض الأحيان، وهكذا هي الحياة، لا نسير فيها على وتيرة واحدة، نغضب ونرضى، نكون سعداء وغير سعداء، تبتسم الدنيا وتكشر لنا، وكلها أقدار نمر بها، وحالات نعيشها، رضينا بها أو لم نرض.
* *
وأمس الأول، وبينما كنا نخاف من أن يزور ملك الموت حبيبنا وصديقنا والرجل الذي يقدر له صدقه وصراحته وإخلاصه ووطنيته الدكتور عبدالله مناع، لنفاجأ بموته، بتركه للأرض التي أحبها، والناس الذين ربطه بهم ومعهم أحلى سنوات عمره، الزوجة والأولاد والبنات والأخ الأكبر، الأصدقاء والزملاء ورفاق العمر، ليضع كل هؤلاء في حالة حزن، لا يملكون غير الدموع والآهات والإكثار من الدعاء.
* *
كان الفقيد حالة خاصة، ترك تخصصه في الطب، وانحاز إلى الفكر والثقافة والإعلام والكلمة الرصينة، ترك مشرطه الطبي، ليكون بديله قلمه الذي وظفه لخدمة بلاده وأمته وقضاياها، بروح من الإيمان والمسؤولية، والشعور بأن ما يملكه من سلاح للدفاع عنها كان يتمثل في قلمه الذي ظل مداده وحبره يتواصل على مدى أكثر من نصف قرن، دفاعاً عن الحق والمبادئ التي آمن بها.
* *
كتب في الموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتناول الشأن المحلي بكل اهتمام وعناية وحرص وحضور، وكان نصيب الثقافة والأدب عالياً في كتاباته، وتميز بالوفاء لمن يستحقون الوفاء، فهو كاتب مجيد ومعبر صادق عن خلجات نفسه كلما صدم بوفاة أحد ممن يرى استحقاقه لكلمة تنصفه، وتعطيه حقه، وتُذكر الناس بما كان عليه من تميز وإبداع وريادة في شأن من الشؤون.
* *
نقرأ للدكتور عبدالله مناع كلماته في الصحافة، أو من خلال كتبه، وتستمع له في محاضراته ومشاركاته المنبرية، أو في اللقاءات التي تُجرى معه في القنوات التلفزيونية وفي الإذاعات، فيشدك أسلوبه وعباراته الأنيقة ورؤاه المستقبلية، وتلك النفحات من المواقف الوطنية والعروبية المشهودة للفقيد.
* *
لكل هذا، فإن عبدالله مناع لم تفقده أسرته فحسب، وإنما الوطن خسر، نجماً متألقاً في أطروحاته الفكرية، وخسر قامةً كبيرةً ستغيب عن المشهد الثقافي والإعلامي، بما لا يعوّض، لكننا أمام إرادة من يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، فاللهم ارحم الصديق العزيز، واجعله في عليين من الجنة، وألهم أسرته والوسط الإعلامي والثقافي الصبر على تحمّل فاجعة موت حبيبنا الدكتور عبدالله مناع.