م. بدر بن ناصر الحمدان
من أجمل برامج ألعاب القوى وأكثرها إثارة «سباق الـ400 متر تتابع»، حيث يمثل نموذجاً انضباطياً جماعياً للفريق لأداء مهمة واحدة في نفس المسار للمسافة الإجمالية المقسمة على المراحل الأربع (100 متر لكل متسابق) حيث يقوم بها اللاعبون بالتناوب ويتوجب على كل لاعب أن ينهي مرحلته تسليم (عصا أو أنبوبة) طولها نحو 30 سم للعداء الآخر في نهاية كل مرحلة، ويكون هذا التسليم والملامسة بين العداءين في منطقة لا يتجاوز طولها 20 متراً، إذ إن فشلهم في التبادل ضمن هذه المنطقة يعني استبعاد فريقهم من المسابقة.
في الإدارة محاكاة قريبة من هذا الأسلوب في إدارة المهام والعمليات الإدارية وتنظيم فريق العمل تحمل نفس المبادئ التي تُبنى عليها عقلية الفريق الواحد من أجل إنجاز هدف مشترك، يأتي في أولويتها مبدأ «المسؤولية» التي تلقى على عاتق كل عداء لإنجاز المرحلة التي تخصه بكل إتقان، لأن ذلك يمثل أحد مكونات هيكل العمل، وإن كل فرد عليه أن يقوم بواجبه الموكل له، كونه جزءاً من منظومة متكاملة، وأن إخلاله بعمله قد يؤثر في مستوى مهمة الفريق بأكملها.
المبدأ الآخر هو أهمية «التنسيق» بين العداءين الأربعة (أعضاء فريق العمل) من خلال التدريب على فهم المهام والأدوار بشكل واضح من بداية الانطلاق إلى الوصول في الوقت المحدد، والقدرة على تسليم المهمة في المنطقة المحددة، والتسلم المثالي ثم إعادة الانطلاق للمرحلة التالية التي تتمثل في مبدأ «الأداء الفعّال» الذي يمكن من المواصلة حتى خط النهاية بوتيرة أعلى لضمان المنافسة كنتيجة للجهد التراكمي للعداءين الأربعة وهو المبدأ الذي يجسده «العمل بروح الفريق».
كما أن تعيين عداء لكل مرحلة وما تتطلبه من جهد ومهارة هي مسؤولية قائد الفريق الذي يفترض أن يعرف مؤهلات كل فرد وتوظيفه في المكان الذي يلائم قدراته في سياق مبدأ «اتخاذ القرار»، سواء كان ذلك في مرحلة الانطلاق أو في المرحلة الأخيرة من السباق وحسم الفوز لصالح المجموعة.
الحقيقة أن المبادئ التي تقوم عليها مسابقة الـ400 متر تتابع في ألعاب القوى جديرة بالاهتمام من قبل المديرين التنفيذيين والقياديين الإداريين وتدريب فريقهم على العمل بعقليتها، وحثهم على مشاهدة سباقاتها، بل تدريبهم عليها ميدانياً، ما الذي يمنع أن تقوم كل إدارة بتخصيص يوم رياضي والتعاون مع مدرب متخصص وتنفيذ هذه الفعالية من أجل تمرير رسائل إدارية وبشكل «عملي»، وإتاحة الفرصة لأعضاء الفريق لاكتشاف ما هو مطلوب منهم، وتحديد نقاط الضعف والقوة التي بداخلهم والتعرف على أهمية تعزيزها أو معالجتها للاندماج في منظومة الفريق، هذا الأمر سيختصر الكثير من الجهد في بناء فريق عمل فعّال، إذ إن كل مراحل العمليات الإدارية المتوقعة موجودة في مسافة الـ 400 متر التي نتحدث عنها.
إذا كنتم مستعدين لخوض هذه التجربة، أخبرونا ماذا حدث معكم.