د. أحمد محمد الألمعي
للقادة الكبار تأثير نفسي كبير على شعوبهم في عدة نواح من حياتهم وعلى عدة مستويات، وقد يكون هذا التأثير سلبياً أو إيجابياً. علم دراسة التأثير النفسي على الحشود هو فرع من علم النفس، وقد نشأ وتطور إلى حد كبير خلال العقود الماضية وأصبح جزءاً مهماً من قرارات الساسة. ويدرك كثير من الزعماء قوة تأثيرهم النفسي والمعنوي على شعوبهم ويسخّرون هذا التأثير في سبيل تحقيق أهداف معينه تخدم مصالح الدولة والشعب في سبيل الرقي والتطور الذي يكون سبباً في تطور الأمم وبناء الحضارات. ولا يمنع ذلك وجود زعماء سياسيين أو دينيين يجرون شعوبهم إلى الانقسام والدمار لأسباب عنصرية أو أفكار خبيثة هدَّامة وهناك الكثير من الأمثلة من التاريخ القديم والحديث التي تذكر في هذا السياق.
ومن أمثلة التأثير النفسي الإيجابي للزعماء ما هو ملحوظ من تأثير سمو ولي العهد محمد بن سلمان على أفراد الشعب السعودي وخاصة جيل الشباب والذين أصبحوا يتابعون بشغف قراراته وخطاباته ويقلدونه حتى في اللبس والسلوك. وقد ذكرت تقارير في صحف وبرامج غربية هذا التأثير الإيجابي الملهم. دور القيادة في خضم كل الأحداث التي تمر بها المنطقة كان جلياً بداية بجائحة الكورونا والتي كان للقرارات الصائبة الدور الكبير في التحكم في هذه الجائحة في المملكة. فبينما تعاني كثير من الأنظمة الصحية في كثير من الدول المتقدمة صعوبات كبيرة في تقديم العلاج والتحكم في أعداد المصابين والوفيات أدى إلى فشلها في التعامل مع هذه الجائحة، تستمر أعداد المصابين في المملكة في التناقص حتى أصبح برنامج المملكة الصحي -بحمد الله - مثالاً يحتذى به في التعامل مع الجائحات والحشود ويستحق العاملون في القطاع الصحي الشكر والتقدير أفراداً وقيادةً لما قدّموه من تضحيات وتفان وحسن تخطيط.
عند نزول لقاح الكورونا للأسواق ظهرت الكثير من الشائعات عن سلبيات اللقاح بعضها يرقى إلى مستوى الخرافات والخيال العلمي. وقد وفرت جائحة الكورونا كما حدث أثناء الأوبئة في عصور سابقة بيئة خصبة للشائعات ونشر الأكاذيب وسبب ذلك في عزوف الكثير عن أخذ اللقاح. ظهور سمو ولي العهد مبكراً على وسائل الإعلام وتلقيه لقاح الكورونا كان له أثر كبير في تشجيع الناس وارتفاع أعداد المسجلين لتلقي اللقاح بخمسة أضعاف. وقد تابعت شخصياً بتأن خطوات تلقي سمو ولي العهد القاح وظهوره بكثير من الهدوء والثقة وأسلوب تعامله الراقي والرحيم مع الطاقم الطبي والذي زرع في نفوس المشاهدين الطمأنينة والثقة ليحذوا حذوه ونأمل أن يساهم ذلك -بإذن الله - في انخفاض أعداد حالات الكورونا بشكل كبير.
ودور قيادتنا واضح في التعامل مع الصعوبات الاقتصادية بسبب انخفاض أسعار البترول التي يمر بها العالم، فيظهر سمو ولي العهد ليعلن عن مدينة ذا لاين المستقبلية، ولا يخفى على الكثير من المتابعين في مختلف المجالات تأثير ذلك الإيجابي في نفوس كل من اتخذ هذه الأرض وطناً له من مواطنين ومقيمين، ولا أنسى كيف تركت القرارات السياسية الناجحة الأثر الكبير بالإحساس بالأمن والأمان في وسط كل المخاطر والدول المضطربة التي تحيط بالمملكة.
القيادات الملهمة تحفّز الشعوب وتكون سبباً في تغييرات كبيرة في زمن قصير لأن الناس تثق بقدرة القيادة الفعَّالة على تجاوز الصعاب وتحقيق الأهداف المرجوة. هناك حاجة ماسة إلى القادة على حد سواء للتغيير على نطاق واسع على مستوى الدول أو حتى على مستوى الأعمال والشركات. القيادة الجيدة هي الميزة التنافسية الأكثر أهمية التي يمكن أن تتمتع بها أي مؤسسة أو شركة، لذلك فإنه ليس من المستغرب أن يركّز علماء الإدارة دائماً وبشدة على سمات وملامح القيادة الناجحة.
في مسار جهودنا لفهم وإتقان مهارات القيادة، فإننا نميل إلى إغفال حقيقة أن هناك جزأين في معادلة القيادة، فالزعماء لا يحتاجون فقط إلى موهبة استثنائية للقيادة، بل يحتاجون أيضًا إلى القدرة على جذب أتباعهم عن طريق الكاريزما وشخصية تتحلَّى بإظهار الرعاية والاهتمام بمن حوله، وهناك تأثير واضح ومتبادل بين القائد والأتباع في كلا الاتجاهين بناء على التفاعل والرسائل المباشرة وغير المباشرة لفظية أو سلوكية يتبادلها الطرفان.
تنقسم دوافع التابعين أو «الموظفين» في أي مؤسسة إلى فئتين - عقلية واعية وغير واعية. الدوافع العقلية الواعية تكون على مستوى واضح فهي معروفة ويتم إدراكها أنها تتعلق بآمالنا في كسب المال، أو المكانة، أو السلطة، أو الدخول في مشروع ذي مغزى باتباع قائد عظيم - ومخاوفنا من أننا سنفتقد ونخسر ما لم نفعل ما هو ضروري لفعله. في معظم الأحيان، الدوافع غير الواعية هي الأكثر تأثيرًا والتي تقع خارج نطاق وعينا، وبالتالي خارج نطاق قدرتنا على السيطرة عليها. بالنسبة للجزء الأكبر، تنشأ هذه الدوافع من الصور والعواطف القوية في اللا وعي لدينا والتي تؤثِّر على علاقاتنا وتفاعلنا مع القادة.
ما بين الخيال والوقائع
في أفضل صورة، فإن التعلق النفسي «transference» هو الرابط العاطفي الذي يصل الناس بالقائد فيرى الموظفون الذين هم تحت تأثير التعلق أن قائدهم مثال لكل الصفات المطلوبة - أكثر ذكاءً، ولطفًا، وأكثر جاذبية ويميلون إلى منح هذا الشخص صفات مثالية ويتحملون مخاطر بناءً على ذلك أكثر مما سيفعلون في الأحوال العادية، وطالما أن حقيقة القائد ليست بعيدة جدًا عن مثالية المتابعين فهذا يعمل بشكل جيد للغاية.
تشير الأبحاث إلى أنه لا يقتنع معظم القادة الجيدين بالصور المثالية لأتباعهم عنهم. ولكن حتى القادة الذين يتمتعون بقدر معقول من الوعي الذاتي يمكن أن يصبحوا ضحايا للوهم. ويمكن للقادة أن يتراجعوا بسهولة من خلال التفاعل مع أتباعهم.
مثال آخر على تأثير من هم في دور قيادي وأثر الإيحاء في الصورة، هو الطريقة التي يشعر بها الناس بشكل أفضل تلقائياً بمجرد ذهابهم إلى الطبيب حتى قبل أن يقوم الطبيب بتقديم أي علاج لهم. إلى حد كبير، يمكن تفسير هذه الظاهرة بثقة المرضى، والتي تنقل تجربة الطفولة المتمثلة في رعاية الوالدين عند المرض. هذا النوع من التأثير يجعل من الصعب للغاية على الباحثين تقييم بعض الأدوية، مثل الأدوية التي تعالج القلق والاكتئاب. وتظهر الدراسات السريرية، على سبيل المثال، أن ما يصل إلى 30 % من الأشخاص يستجيبون للأدوية الوهمية تحت تأثير الثقة في زيارة الطبيب. ونلاحظ ذلك في الأشخاص الذين يتطوعون لإجراء دراسة على أمل العثور على علاج لمرضهم فقد يتقبلون بشكل خاص الأدوية الوهمية.
في النهاية هذا تحليل نفسي مبسط لصفات القيادة الناجحة الإيجابية وتأثيرها القوي وأشكر الله أن منح هذا الوطن قيادة واعية حازمة تتخذ قرارات حكيمة تظهر نتائجها في كل يوم وتساهم في تطور وبناء هذا الوطن.