محمد آل الشيخ
مع الأمير محمد بن سلمان، لا يمكن لك إلا أن تعترف وتُقر أنه نقل المملكة خلال سنوات أقل من عدد أصابع اليد الواحدة إلى القرن الواحد والعشرين بشكل مختلف عن الماضي؛ وهذه حقيقة ماثلة للعيان، يتفق عليها المتزمتون الظلاميون وكذلك المتحررون الحداثيون، المتزمتون، لأنهم يصرون على أن الماضي هو الذي يواكب رؤيتهم لما يجب أن تكون عليه الحياة اليوم، والحداثيون يرون أننا لا يمكن لنا أن نبقى إلا أن نواكب ونتماهى مع حداثة القرن الواحد والعشرين وتطوراتها، ونتماهى مع مزاج الإنسان المعاصر فيها. قد يقول قائل: إنني أطبل، أو أصفق، أو أمسح الجوخ، وأُمالئ سموه، ولكن من يقرأ مقالاتي وكل مشاركاتي الكتابية في هذه الزاوية، وكذلك في منتديات الحوار السابقة، أو في تغريداتي في تويتر، يُدرك أن منهجي هذا لم يكن جديداً، قدر ما كان هو الفكر الذي أنا مقتنع به، وأدافع عنه، وقدّمت ما يكفي من الحجج والمبررات الموضوعية التي تدفعني لأن أذود بشدة عما كنت أنتهج من أطروحات، ومسوغات ما أقول. ولا أخفيكم أنني كنت على يقين تام أن ما كنا ننادي به -زملائي الكتاب وأنا- هو ما سوف نؤول إليه في النهاية، طال الزمان أو قصر، إلا أني ومعي أكثر المتفائلين لم نكن نحلم أن يتحقق هذا في المستقبل القريب والقريب جداً -حينذاك-، لكن هذا الأمير الشاب المتميز استطاع وبشجاعة وإقدام وتمكّن أن يمدَّ يده ليس إلى الغد القريب، بل إلى الغد البعيد، ويأتي به ليضعه بين أيدينا اليوم، وهذه كانت معجزة الأمير محمد بن سلمان الحقيقية التي جعلته يدخل عن استحقاق عالم الرواد الأفذاذ الذين لا يجود بهم التاريخ إلا لُماما. ومن الطبيعي والطبيعي جداً أن يواجه رائدٌ بهذا الطموح الوثاب، والعمل الدؤوب، كثيرين في الداخل والخارج ممن يضعون العوائق والعقبات في طريقه، بعضها من فعل فاعل مُغرض، والبعض الآخر من فعل محافظ متكلس ساذج، إلا أنه استطاع باقتدار وحزم وشجاعة التغلب عليها، ورسّخ في مجتمعنا قيماً حداثية جديدة بشكل جعلها بمثابة (الحقوق المكتسبة) للإنسان السعودي؛ بمعنى أنها ترسخت وتجذرت بشكل جعلها تتخلّق حتى أصبحت الآن حقاً أصلياً من حقوق الإنسان السعودي، ذكراً كان أم أنثى، والتي لا يمكن بعد اليوم المساومة عليها، فضلاً عن إنكارها.
وفي تقديري أننا نعيش فترة تاريخية، تحولت فيها بلادنا تحولاً محورياً، في زمن قياسي، تحققت فيه قفزات اختصرت الزمان، وشكلت المكان، وتحقق فيها الكثير وتغير فيها الكثير، بينما كنا نظن أنها تحتاج إلى زمن لتتحقق؛ ولا يعرف كُنه وتفاصيل هذه المنجزات إلا من عاش في المملكة قبل عهد الملك سلمان وامتد به العمر إلى زمن الملك سلمان، فما كان حلماً بعيد المنال قبل سنوات قليلة، ها هو يصبح واقعاً نتعايش معه بأقل قدر من التكاليف اللهم إلا العزم والحزم والمتابعة.
والأمير محمد يدرك تمام الإدراك أن (شرعية) بقاء الدول واستمرارها تكمن في (التنمية الاقتصادية والاجتماعية)، فهي المرتكز الأول للبقاء وكذلك شرط استتباب الأمن والاستقرار، وغياب التنمية، أو حتى تباطئها، تبدأ إرهاصات المحن والقلاقل والاضطرابات، لذلك كله جعل سموه نصب عينيه التنمية الاقتصادية هدفاً محورياً لا يعلو عليه هدف، وقام بتذليل كل العقبات، بما فيها بعض العادات والتقاليد المتحجرة البالية، التي من شأنها إعاقة مسيرتنا التنموية. وفي رأيي أن تطوير التعليم أولاً وتطوير القضاء ثانياً هما الخطوتان اللتان سوف تستحوذان على اهتمامه في السنوات القليلة المقبلة، وأنا على ثقة تامة أن من استطاع أن يحقق تلك المنجزات بل المعجزات في السنتين أو الثلاث الماضية، يستطيع بكل تأكيد أن يطور هذين المرفقين، الفرق أن التعليم والقضاء في حاجة إلى الوقت الذي لا يمكن اختصاره، فالأمر متعلق بتنشئة معلمين وقضاة وتدريبهم على المرحلة الجديدة، وهو ما يتطلب وقتاً لا يمكن ضغطه أو تقصيره، وهذا هو الفرق بين ما تم إنجازه وبين ما هو في طريق الإنجاز، بسبب أن العاملين في هذين المرفقين يحتاجون إلى قدر من الزمن أطول، ولا فرار هنا من الصبر والأناة.
إلى اللقاء