محمد عبد الرزاق القشعمي
في هذه الأيام تحل علينا ذكرى مرور مائة سنة على بداية صدور الصحف والمجلات السعودية بدءًا بالجريدة الرسمية (أم القرى) التي صدرت يوم الجمعة 15/5/1343هـ، بعد دخول سلطان نجد لمكة المكرمة بأسبوع لينادى به (ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها). وتتالى بعد ذلك معرفة بلادنا بالصحف والمجلات في مختلف المدن والمناطق.
ويسر المجلة الثقافية أن ترصد لكم وتوافيكم بتعريف مختصر عن تلك الإصدارات.
ففي كل أسبوع سنعرض لكم إحداها حسب تاريخ صدورها بدءًا بما صدر قبل الحرب العالمية الثانية (1360-1365هـ) (1940-1945م) عدا أم القرى التي استمرت بالصدور رغم تقليص حجمها وعدد صفحاتها واقتصار ما تنشره على الأخبار المهمة والأوامر والبلاغات الرسمية.
صدرت (أم القرى) بمكة المكرمة يوم الجمعة 15 جمادى الأولى 1343هـ الموافق 12 سبتمبر 1924م بعد أسبوع من دخول الملك عبدالعزيز مكة، وهي أول جريدة صدرت في العهد السعودي، وهي الجريدة الرسمية وقد واكبت بداية العهد السعودي في الحجاز، كما أصدر الشريف علي بن الحسين جريدة (بريد الحجاز) في جدة –عند حصارها من الملك عبدالعزيز – وكانت كل واحدة من الجريدتين ترد على الأخرى وتهاجمها بعنف إلا أن الأخرى ماتت بتنازل الملك علي ومبارحته جدة، وبقيت أم القرى، ولا تزال الجريدة الرسمية للحكومة السعودية.
وككل جريدة رسمية تقتصر على البيانات والبلاغات الرسمية، وبعض الأخبار المحلية، وكانت أم القرى تصدر أيام الحرب العالمية الثانية ولم تتوقف كما توقفت بقية الصحف والمجلات بسبب توقف استيراد الورق – لمدة تقارب الخمس سنوات.
والمعروف أنها خلال الحرب أصبحت تصدر بصفحتين وبحجم صغير، ويروي الأستاذ عبدالكريم الجهيمان أنه وبعض الأدباء كانوا يجلسون بظل الكعبة أثناء الحرب وكان من بينهم الأستاذان حمد الجاسر والطيب الساسي رئيس تحرير أم القرى، وكانا يتمازحان، فقال الساسي للجاسر: ماذا تقول في الجريدة، فرد عليه الجاسر: وهل تريد رأيي شعراً أم نثراً؟ فقال له بل أريده شعراً، فقال له:
جريدة صغيرة
تحكي جناح اللقلق
كم قد حوت من
صور وخبر ملفق
فرد عليه الساسي وهو يتظاهر بالغضب قائلاً: أتقول هذا على جريدة الحكومة.. والله وبالله وتالله لو لم أكن رئيس تحريرها لقلت صدقت وبالحق نطقت.
تولى رئاسة تحريرها يوسف ياسين أحد المسؤولين في الشعبة السياسية حتى العدد (88) الصادر في 11 صفر 1345هـ، وقد حدد منصور الحازمي المدد الزمنية التي تولاها رؤساء تحريرها الرئيسيون كالتالي:
1ـ يوسف ياسين من سنة 1343هـ إلى سنة 1347هـ - 1924-1928م.
2ـ رشدي ملحس من سنة 1347هـ إلى سنة 1349هـ - 1928- 1930م.
3ـ محمد سعيد عبدالمقصود من سنة 1350هـ إلى سنة 1355هـ - 1931-1936م.
4ـ فؤاد شاكر – عبدالقدوس الأنصاري – محمد الطيب الساسي...إلخ.
وقال عثمان حافظ إنها اهتمت بالنواحي الأدبية والاجتماعية والنقدية مع التوسع في نشر الأخبار الخارجية والداخلية، وقد بدأ اهتمامها بالنواحي الأدبية والتاريخية من عام 1354هـ، وأثناء رئاسة محمد سعيد عبدالمقصود خوجه فقد تطورت في هذا العهد تطوراً كبيراً، وفتحت صدرها للكاتبين، والباحثين والناقدين من أدبائنا وشعرائنا، وكانت تنافس صوت الحجاز فيما تنشره من علم وأدب وشعر ونقد، ولها نشاط ملحوظ في الإخراج والتوضيب وهي مرتبة كما يلي:
الصفحة الأولى: الافتتاحية، وتعالج بعض المشكلات الاجتماعية والسياسية.
الصفحة الثانية: أخبار محلية.
الصفحة الثالثة: صفحة الأدب والفنون.
الصفحة الرابعة: حوادث وأخبار محلية.
الصفحة الخامسة: الأنباء البرقية.
الصفحة السادسة: أنباء البلاد الشرقية.
الصفحة السابعة: أنباء البلاد العربية.
الصفحة الثامنة: بحوث وكلمات منوعة.
والجريدة تخضع لميول رئيس تحريرها، فيوسف ياسين اهتم بالمقالات السياسية والدينية والرحلات، وفترة رشدي ملحس تميزت بالبحوث التاريخية، وازدهرت في أيام محمد سعيد عبدالمقصود المقالات والبحوث التي تتناول الأدب والتاريخ وتنتقد بعض العيوب الاجتماعية وطرق التعليم البالية، واستمر هذا الاهتمام بالأدب والعناية الخاصة بالمحاضرات أيام فؤاد شاكر وأيام عبدالقدوس الأنصاري.
نقرأ في العدد (399) الصادر يوم الجمعة 2 ربيع الآخر سنة 1351هـ الموافق 5 أغسطس 1932م وهو عدد استثنائي (طبعة ثانية) بثمان صفحات يتصدره العناوين التالية:
حادث ابن رفادة، تدابير جلالة الملك ونصائحه لجنده، برقية جلالته لرؤساء قواده، برقية جلالته لكافة الإخوان، برقية جلالته بكيفية السير، جواب الإخوان لجلالته، احتجاج قبيلة عتيبة، بيان سمو الأمير سعود عن الحالة في نجد، كتاب علماء نجد وفتواهم بوجوب الجهاد، احتجاج قبائل قحطان، برقية أمير الأحساء، برقية أمير حائل عن الحالة في نجد.
وفي العدد (405) ليوم الجمعة 15 جمادى الأولى سنة 1351هـ الموافق 16 سبتمبر 1932م تدخل الجريدة عامها التاسع، وتخصص الصفحة الثانية وجزء من الثالثة لموضوع (حركة مباركة الالتماسات المرفوعة لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم بطلب تعديل اسم (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) باسم (المملكة العربية السعودية) ووضع نظام للحكم وتوارث العرش.
وفي العدد التالي (406) يصدر في موعده بلون أخضر وتخصص صفحاته الثلاث الأولى لتحويل اسم (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى اسم (المملكة العربية السعودية) وموضوع (أول خطوة لتحقيق الوحدة العربية وأماني العرب). وصدر الأمر الملكي رقم 2716 وهذا نصه: بعد الاعتماد على الله وبناءً على ما رفع من البرقيات من كافة رعايانا في مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها ونزولاً على رغبة الرأي العام في بلادنا وحباً في توحيد أجزاء هذه المملكة العربية أمرنا بما هو آت: المادة الأولى: يحول اسم (المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها) إلى اسم (المملكة العربية السعودية).
المادة الثانية: يجري هذا التحويل اعتباراً من تاريخ إعلانه.
المادة الثالثة: لا يكون لهذا التحويل أي أثر على المعاهدات والاتفاقات والالتزامات الدولية التي تبقى على قيمتها ومفعولها، وكذلك لا يكون له تأثير على المقاولات والعقود الإفرادية بل تظل نافذة.
المادة الرابعة: سائر النظامات والتعليمات والأوامر السابقة والصادرة من قبلنا تظل نافذة المفعول.
يليها المواد الخامسة والسادسة والسابعة...
المادة الثامنة: إننا نختار يوم الخميس الواقع في 21 جمادى الأولى سنة 1351هـ الموافق لليوم الأول من الميزان يوماً لإعلان توحيد هذه المملكة العربية، ونسأل الله التوفيق.
صدر في قصرنا في الرياض في هذا اليوم السابع عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1351هـ. التوقيع عبدالعزيز- بأمر جلالة الملك، نائب جلالته فيصل.
وتحتفل الجريدة بعددها (526) الصادر في 28 رمضان 1353هـ بالذكرى التاسعة لتبؤ جلالة الملك المعظم عرش الحجاز وتقول في افتتاحيتها: «.. تتجاوب الأنباء غداً بذكرى السنة التاسعة لتبوُّء قسورة العرب جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود عرش الحجاز وقد شاء جلالته النزول على حكم علماء نجد في إبطال مظاهر هذه الذكرى السنوية، ولكنه إن أبطل مظاهر الزينة والأفراح فيها فإن ذكرها خالد في الصدور ممجد في بطون التواريخ..».
وفي العدد (529) الصادر في 19 شوال سنة 1353هـ، ينشر المرسوم الملكي الكريم بالعفو العام عن المبعدين السياسيين، وفي العدد التالي ينشر ما نصه: «.. وبدأ تجاوب وردود الفعل، فقد استقبل هذه البادرة الأهالي بفرح وسرور في قلوب الأهلين وعلى إثر وضعه موضع التنفيذ عقد اجتماع حافل حضره قسم عظيم من أعيان مكة وكبرائها قرروا فيه رفع شكرهم وامتنانهم إلى السدة الملكية إزاء العطف الملوكي الذي شمل إخوانهم المبعدين..». ونشر بعد ذلك برقيات الكبراء والأعيان.
وقد تخلل أعداد الجريدة نشر مواضيع بأسماء مستعارة. منها (قارئ) وهو اسم يوسف ياسين، و(ابن الصالح) وهو اسم رئيس التحرير الثاني رشدي ملحس، و(أبو صفوان) لهاشم زواوي.
ونجد أحمد السباعي يبدأ مقالاته من العدد (378) بموضوع (هل تكون الرفاهية عذاباً؟)، وبعدها يكتب (خواطر.. العادات) منتقداً التمسك بها، ومنها قوله: «.. والعادة من جهة أخرى تكاد تجعل الشخص (آلة) من حيث إنه إذا ألفها يقوم بها من حيث لا يعيرها شيئاً من جهوده... وإنه لتتفطر أسى لأغرب من هذا... رجل ضعيف تأبى نفسه إلا أن يستخرج من ضعفه قوة نزولاً عند حكم العادة فيبذل وجهه للدائنين ليقيم ليالي الأفراح، وما هي إلا أتراح يترعها حتى الثمالة وينغص بعدها على نفسه حياته ويهدم هناءها وأفراحها، فلماذا لا نحطم هذه القيود فيقيم الواحد منا فرحه على قاعدة البساطة لا يتكلف شيئاً فيوفر الغني لنفسه ذهبات وينثرها في غير جدوى، ويضن الفقير بوجهه أن يبذله، وكرامته أن يمتهنها للدائنين في سبيل العادة الظالمة الغشوم؟».
ومقال (نقد الأدب في الحجاز) باسم (صاحبكم). وموضوع (الإسلام والمدنية) بتوقيع (أديب فاضل). وقصيدة (هل للوغى وحمام الموت من شاري) بتوقيع (نجدي). وقصيدة (يا صاحب العلم المظفر) يوقعها (الفتى النجدي). ويتضح أنه الشاعر حسين سرحان.
هذه مجرد لمحة سريعة أو إطلاله على أعداد (أم القرى) الأولى.