اليوم هو العاشر، الذي أعقب مغادرتها. في الواقع لست متأكدًا إن كان بالفعل كذلك، فقد يكون التاسع أو الحادي عشر أو حتى الثامن أو الثاني عشر، إذ لم يعد التاريخ يعني لي شيئًا بعد خروجها الحزين. الأكيد أنها غادرت منذُ مدة طويلة، ولم تعد بعد، ولا أظنها ستعود، فهي لم تغادر قبل ذلك مطلقًا، ومن يغادرون للمرة الأولى دونما سبب، قد لا يعودون أبدًا، وإن كنت لست متأكدًا من ذلك، فلعلها تقرر دونًا عن البقية؛ الرجوع، أو أن هذه المقولة السخيفة ـ كغيرها ـ ليست صحيحة.
لا أعلم لِمَ هي غاضبة، فأنا ألبي كل طلباتها، وأتفانى في خدمتها. ولأنني حريص جدًا على ارضائها؛ أظل أهاتفها في ذهابي وإيابي حتى أصل إليها، وأنا أسألها في كل مرة، بحرص شديد: إن كانت حاجياتها التي اقتنيتها بعناية فائقة، كما أعتقد؛ صحيحة؟ كنت لا أنفك أفعل ذلك باستمرار، رغم أنها كانت تضحك في البداية، وتصمت في المرات التالية، ثم تبكي بعد ذلك وتغلق هاتفها بعصبية، ولا تعود تلتفت لاتصالاتي اللاحقة رغم أهميتها.
قبل رحيلها الأخير، أخبرتها صراحة، بأنها لم تعد تحفل بالحديث معي، ولم تعد تعيرني أي اهتمام؛ رغم أنني أجتهد كثيرًا لتنفيذ أوامرها. وقلت لها بكل وضوح، وبنبرة حادة وكنت وقتها أكاد أبكي: أنني بت أكرهها، وأنني قد أنفصل عنها يومًا ما؛ إن لم تستمع لي جيدًا.
لا أعلم إن كانت فهمت مغزى تهديدي ووعيدي في هذه المرة، إلا أنها ومنذ ذلك الوقت غادرت، ولم تعد تستجيب لنداءاتي المتكررة. لعلها تعتقد أنني سأسألها: إن كانت فهمت ما قلته فهمًا صحيحًا، أو أنها تخشى شروعي مباشرة ـ كما هي عادتي ـ في إقناعها بأنني وقد استخدمت «قد»، قد لا أكون جادًا فيما أنوي فعله، لكنها، وفي هذه المرة تحديدًا، لم تمهلني حتى أبرر لها موقفي متذرعًا بـ «قد»، وأعود لاسترضائها. وأخشى أنني قد لا أجد وقتًا لفعل ذلك، كحالي معها طوال السنوات الماضية، عندما لم أستطع إخبارها ولو لمرة واحدة أن القلب الذي أفتتن بها، قد يكون ما يزال شغوفاً بحبها.
** **
- حامد أحمد الشريف