حدثتني نفسي رضي الله عنها في ساعة متأخرة من ليلة شتوية ملهمة وهي تلومني بإلحاح.. ويحك! كيف تقاومين هذه الأجواء الرائعة ولا تحرك بك تلك الصور الفاتنة للبراري والمخيمات شعرة ولا تلقين لها بالاً لا شك أنك شخصية غير طبيعية وأنت قبلها كنت تحلمين بطلعات البراري وتتغنين برائحة دخان السمر ومنظر الرمال الحمراء وهي تتلوى أمامك وتعصف بكل همومك قبل أن ترمي بها بواد سحيق.
فتحت شاشة هاتفي المحمول مباشرة وفي مجموعة تضمني برفيقاتي وقريباتي جمعت ما استطعت جمعه من حروف عاجلة لتكوين جمل تعبر عن مدى رغبتي بتلك النزهة أو الرحلة وطرحت الاقتراح المتمثل باستئجار مخيم تكتمل به الصورة وننسج خيوط الحكاية الجميلة التي أنهكت مخيلتي ولم أعد أحتمل التفكير بها.
نعم، مخيم نقضي به يوماً كاملاً مع الأهل والأحباب. قوبلت فكرتي ليس بالقبول فقط، بل بالترحيب واوووو مخيم شيء جميل ولحسن الحظ لم يعتذر أحد وتذللت كل الظروف لحظتها فالمخيم لا يعوض.
بدأت رحلة البحث عن ذلك المخيم ورغم أن ذلك الوقت المحدد كان قبل بداية الإجازة إلا أني فوجئت بأن الحجوزات تامة على أغلب الأيام والأسعار خيالية من الألفين وخمسمائة وفوق وهذا هو النوع العادي، بل إن بعضها يتعدى الخمسة والستة آلاف طبعاً هو سعر يوم واحد بلا مبيت وعندما تسأل عن السبب يُقال مميزات خاصة ووو ... إلخ، مع أن الموضوع في النهاية مجرد رواق وخيام ورمال ومنتهى البساطة.
المهم عن طريق النت حجزناه وكان المبلغ لا يقل عن ألفين ونصف وهو الأقل سعراً وكانت الصور المعروضة جميلة جداً.
وكانت المفاجأة عندما توجهنا إليه على أجنحة اللهفة منذ الصباح الباكر فلم يكن كما تصورناه أبداً فلم يكن بسيطاً لأننا نبحث عن البساطة ونتوقّعها خارج نطاق العمران، بل كان أقل من ذلك، نعم، الرمال الذهبية كانت هي أرضيته ولكن هذه أرض الله لا جهد لهم بها والمطبخ لا يتسع لأكثر من ثلاثة أشخاص وحالته يصعب وصفها من الإهمال وعدم المبالاة وليس كما يُقال يمشي الحال.. لم يكن جيداً ولا مرضياً أما دورات المياه -أعزكم الله - فحدّث ولا حرج قمة الصدمة قد أكل عليها الزمان وشرب يكفي من سوء حالها أن أبوابها لا تستر العورة فلا بد من حرس أمام الباب لأنها بلا مزلاج أو قفل وفيه فتحات كثيرة تسمح بمرور الضوء والنظرات وبعدها اسكبي مزيداً من العبرات والدمعات.. منظر مقزِّز وكفى. وما زاد الطين بلة أنه ملأ المخيم بالدبابات ليجن جنون الصغار وتحت إلحاحهم يتم الاستسلام ثم تتحوَّل الساحة لمعركة حامية الوطيس لا يشق لها غبار.
أسئلة كثيرة تدور بعقلي: هل ترك الحبل على الغارب لأصحاب تلك المخيمات ومنحوا كافة الصلاحيات ليضعوا على مزاجهم السعر بقفزات مهولة لا يصدقها عقل مع تدني مستوى الجودة؟ أو أن التجمعات النسائية ونظام القطات كانت هي السبب وراء جنون أسعارها؟ فالدفع يتم بلا تفاوض مقابل الحصول على شبة نار ومزيد من الخصوصية وسعادة لا تقدَّر بمال أياً كان السبب فهذا ليس مبرراً للتغاضي عن تلك الجريمة بحق الذوق العام والأنظمة فقد بات التلاعب بالأسعار متعارفاً عليه في تلك المنطقة البرية التي كانت جميلة. المخيمات تعني مزيداً من الخصوصية والسعادة ولكن يجب أن تكون من أبرز مميزاتها أن تحوز قبول ورضا المستأجر الطموح. ولا يجب أن يكون طموح وجشع المؤجر على حساب تطلعات وسخاء المستأجر المغلوب على أمره.
** **
- بدرية البليطيح