تُعدُّ الأربعون حدا فاصلا في العمر. وقد تأكدت هذه النظرة عند المسلمين حين عرفوا أنها سِنُّ النبوة بعد أن نزل القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم في الأربعين.
وعزز ذلك قوله تعالى: «حَتى إِذَا بَلَغَ أَشُدهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَي وَعَلَى وَالِدَي وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِين» الأحقاف: (15)
يمثل الرقم (أربعون) عند الشعراء والكتَّاب حالة خاصة، فعند الأربعين غالبا ما يبدأ الشعراء البكاء على انحسار الشباب، وتزداد مخاوفهم من مستقبل الأيام، فتحمل إصداراتهم ما يشير إلى هذه الفترة الأربعينية، كما فعل محمود عباس العقاد في ديوانه (من وحي الأربعين) وعبدالسلام حافظ في ديوان (الأربعون) وشوقي بزيع في قصيدة (الأربعون) وليلى الجهني في كتابها (معنى أن أكبر) الذي زينت غلافه بالرقم (40).
كما أطلق بعض الشعراء على مرحلة الأربعين أوصافا تعبر عما يشعرون به تجاهها، فمنهم من وصفها بالخيمة، مثل عبد الرزاق عبد الواحد الذي سمى أحد دواوينه (خيمة على مشارف الأربعين)، ومنهم من كان أكثر تخوفا مثل يوسف عبد العزيز حين سمى ديوانه (ذئب الأربعين).
وإذا طالعنا الشعر العربي وجدنا سحيم بن وثيل الرياحي (ت 60هـ) يَعُدُّ الأربعين خط النهاية، ويعتقد أنها السن التي يتوقف عندها الشاعر فلا يستطيع الإتيان بشيء خارق:
وماذا يبتغي الشعراء مني
وقد جاوزت حد الأربعين
ويصور أسامة بن منقذ الأربعين بالناهية عن اللهو، ويشبه عصر الشبيبة بالليل المُضل، فلا يهدي السادر في ضلاله سوى ضوء المشيب:
قالوا: نهته الأربعون عن الصبا
وأخو المشيب يجور ثَمَّتَ يهتدي
کم ضَــلَّ في ليل الشــباب فَدَلَّهُ
وضح المشيب على الطريق الأقصد
والأربعون تمثل في نظر محمود الوراق بداية انقراض العمر:
لما طوتك الأربعون
وآن للعمر انقراض
جاد الشباب بنفسه
وبدا بعارضك البياض
فمتى أطفت بِلذَّةٍ
فلعارض فيها اعتراض
وفي الشعر الحديث يرى الأربعينَ الشاعرُ العراقي عبدُالرزاق عبدالواحد نهاية العلو، فليس بعدها إلا الانحدار، فيقول من قصيدة بعنوان (في نهاية الأربعين):
مضى ما مضى منك خيرا وشر
وظل الذي ظل طيَّ القدرْ
وأنت على كل ما يزدهيك
كثير التبكي كثير الضجر
كأنك في خيمة الأربعين
تخلِّع أوتادها للسفر
وتجمع للدرب زاد المقل
کفاف المُنَى وطويل السهر
ثم يقول:
مضى ما مضى منك والقادمات
تضــيء قناديلها للكبر
وأنت تعاصي وغيــم السنين
عليــك لأمطاره منهمـر
وكم ذا تكابر والأربعون
ذرًى كل ما بعدها مُنحدَر
وفي قصيدة (رحلة العمر) لعلي حسين الفيفي التي تحمل اسم الديوان، يستعرض مراحل حياته منذ الطفولة حتى الشيخوخة، ويقول في أحد مقاطع القصيدة إنه لا فتوة بعد الأربعين:
هـل بعد ســن الأربعيـن
فتــوة.. كالســابقِ
لا لن تعود كما مضى
أبــدا ورب المشــرق
أما محمد بن سعد المشعان - رحمه الله - فصورها بالقبضة - ومنه أخذت عنوان هذه المقالة - إذ يقول:
قبضة الأربعين تلوي جموحي
غضَّنتْ وجنتــي وشـدت قيودي
كلمــا ثـرت والحنـايا جحيـم
راح سيف الزمان يجتث عودي
ومن أجمل ما قرأت في تشبيه عمر الأربعين وصفٌ للشاعر العراقي د. حمد الدوخي، نقله عنه عارف الساعدي في مقاله بصحيفة الشرق الأوسط (بتاريخ 25/6/2019) يقول فيه: «إنَّ أعمارنا هذه - نحن أبناء الأربعينات - تُشبه الساعة الثالثة بعد الظهر، فلا هي في الصباح لكي نستثمر الوقت، ولا هي في المغرب أو الليل لكي نسلم ونستريح»!..
** **
- سعد عبدالله الغريبي