د. عبدالحق عزوزي
أشار تقرير للبنك الدولي إلى أنه مع تقدم النقاش العالمي والجهود العالمية، تجدر الإشارة إلى أن عودة الطلاب إلى الفصول الدراسية المادية على نطاق عالمي لا تزال استثناء وليست القاعدة، حيث إن أكثر من مليار طالب (نحو ثلثي المتعلمين في العالم) في أكثر من 110 بلدان لا يزالون يتأثرون بإغلاق المدارس، وقد لا يرون فصولهم الدراسية لبعض الوقت. وسيكون لذلك أثر ضار على تحصيل الطلاب في المدارس وتعلمهم، وعلى تراكم رأس المال البشري في جميع البلدان. وحسب تقديرات البنك، يمكن أن يؤدي إغلاق المدارس حتى الآن إلى فقدان 0.6 سنة من التعليم بعد تعديله حسب الجودة، مما يؤدي إلى خفض السنوات الفعلية من التعليم الأساسي التي يحققها الأطفال خلال حياتهم المدرسية من 7.9 إلى 7.3 سنوات، مما يؤدي إلى فقدان مليارات الدولارات من الأجور المستقبلية. (محاكاة التأثير المحتمل لفيروس كورونا وإغلاق المدارس على مخرجات التعليم والتعلم: مجموعة من التقديرات العالمية).
بالنسبة للطلاب في جميع أنحاء العالم، غيَّرت جائحة كورونا بالفعل الطريقة التي يتعلمون بها وأين يتعلمون. ويبدو أن المرونة هي الأساس لأي إستراتيجية لإعادة فتح المدارس: إعادة فتح المدارس بحذر، والاستعداد للانغلاق مرة أخرى إذا تجدد تفشي الجائحة. وهذا ليس بالأمر السهل في نظم التعليم الغارقة تاريخيًا في التقاليد والصلابة. ولكن لتحقيق التوازن بين السلامة والتعلم، كان النهج الأكثر فعالية هو التزاوج بين التعليم المادي والتعليم عن بعد، مما يسمح بالتبديل بين الاثنين مع الحد الأدنى من الاضطرابات.
وفي الوقت نفسه تثير تداعيات جائحة كورونا أكثر من أي وقت مضى، مسألة التخصصات ووظائف المستقبل في ظل التحولات المتسارعة وغير المسبوقة التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهي التي تثير بدورها العديد من التساؤلات حول مستقبل منظومة التعليم وعلاقتها بوظائف المستقبل، وخاصة في ظل الدراسات التي تتوقع أن تحلَّ الروبوتات والأجهزة الذكية مكان الإنسان في الكثير من مجالات الحياة والوظائف في السنوات المقبلة.
لذا فإن الدول التي ستتموضع أكثر في قائمة الدول الناجحة علميًا هي الدول التي ستنجح في تطوير القوى العاملة الوطنية وتعزيزها بشكل مستمر وبما يتناسب مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم ولاسيما في مجالات الاقتصاد المعرفي والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي. وهذا يستلزم تطوير البرامج والمناهج الدراسية اللازمة لتأهيل الكوادر البشرية القادرة على التعامل مع تقنيات الثورة الصناعية الرابعة بطرق أخلاقية ومستدامة وإجراء دراسات معمقة حول تغيرات أسواق العمل وتوجهاتها المستقبلية. ولا بد في هذا السياق من تأهيل المعلمين والأكاديميين والتأكد من امتلاكهم القدرات المعرفية والمهارات التي تساعدهم على نقل المعارف والمهارات الحديثة إلى الطلبة والاهتمام بالجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تصاحب عملية التغيير التكنولوجي وتذليل أي عقبات أو تحديات ترتبط بهذه الجوانب يمكن أن تؤثر سلبًا في العملية التعليمية.
ويقيني أن تنمية المهارات والعلم والبحث والتنمية والابتكار هي المفتاح الذي يسمح لدولنا العربية، بفرص ربح معركة التنافسية، وبالتالي معركة العولمة. ويتطلب التحدي من هذا النوع اعتماد نظام تعليمي قوي وذي جودة، كما يتطلب رؤية واضحة في مجال التنمية التكنولوجية، وهذا هو الأساس لتحقيق الرفع من مستوى التنمية في الوطن العربي. ولقد نجحت في السنوات الأخيرة سنغافورة والعديد من المدن والجامعات الآسيوية في تطوير البحث العلمي والتكنولوجي، حيث مكنتها من تحقيق المستحيل وبموارد قليلة جدًا مثل اليابان اللهم ما تعلق بالموارد البشرية، وهو ما نملكه نحن أيضًا...
وتظهر دراسة المشهد العلمي في السنوات الأخيرة اضطرابًا لا مثيل له في تصنيف أحسن المدن في نشر العلم في العالم. وهكذا، فقد حسنت كل من نانجين وشنغاي وساو باولو من رتبتها بنسبة 20، وسيول وطايبي بنسبة 10 إلى 20 رتبة، هونغ كونغ وبيجين بنسبة 5 إلى 10 رتبة، في حين تراجعت أو ظلت في مكانها كل من لندن وباريس ونيويورك وبسطن وتورونتو وبرلين وموسكو.
وعندما نفهم جيدًا هذا السياق التاريخي- الجغرافي، فيمكن لنا جميعًا وبالأخص قادة الجامعات طرح السؤال الأساسي الذي يواجه كل جامعة تطمح للعالمية، ويتعلق الأمر بكيفية ضمان حضور فعال في الدائرة العالمية للمعارف، حيث دون هذا الحضور ستظل المعارف المنتجة محلية، وطنية أو جهوية، وستظل، بالتأكيد، هذه المعارف مفيدة في المكان الذي أنتجت فيه لكن نشرها سيظل محدودًا.