عطية محمد عطية عقيلان
من الطرائف التي تروى عن الأعمش أنه سئل كيف عمشت عينك فقال من نظري إلى الثقلاء، وكان حاضر الجواب صاحب سرعة بديهة وأجوبة مفحمة منها أنه ضاق صدره بثقلاء دخلوا بيته ولاحظ أحدهم ذلك فقال له هل أطردهم عنك؟ فقال: نعم، وانطرد معهم، فأحيانا نكون من الثقلاء ولكننا نعتقد العكس، ويطلق العديد من المفردات على الثقلاء ولكنها تعطي نفس المعنى والصفات منها البثر أو النشبة أو ثقيل الطينة أو الغثيث أو العلة دلالة على صعوبة مجالستهم ومجانبة صحبتهم، ويتفقون في صفات تجمعهم وسماة تميزهم عن غيرهم منها: كثرة الأسئلة الشخصية والتدخل في شؤون الآخرين وإبداء الرأي والنقد المستمر بدون أية مجاملة أو مراعاة للمشاعر، تراهم دوما في محاولة التصدر في الكلام والإفتاء في كل شيء وادعاء معرفة كافة العلوم والفنون والأخبار ويدلو بدلوه ويجادل في أي معلومة أو قصة تحكى، يكثرون من المزاح من أول مرة تجالسهم ولا يعرفون حدوداً أو لباقة تمنعهم من التجاوز أو التدخل الشخصي، ينتقدون الجميع وينظرون في حياة الآخرين وكأنهم هم ميزان الذوق والفهم لا يتحرجون من طلب الخدمات دون اعتبار لبداية العلاقة وضعفها ويكثرون الزيارة والجلوس وكثرة التشره والعتب وتستهويهم جلسات الطعام والشراب والرحلات المجانية ويمنون في كل شيء يقدمونه للآخرين ولا يعرفون أسراراً لمن زاملهم بل يفتخرون بروايتها بكل فخر وزهو طبعا مع التبهير والزيادة المتعارف عليها في النقل ولا يذكرون من أسدى لهم معروفا أو جميلا أو مساندة أو دعما، فتأكد عزيزي القارئ من صفاتك مع الآخرين وحاول أن تعرف واقعك وهل أنت من ثقيلي الطينة والبثرين من خلال التعرف على صفاتك وأقوالك وأفعالك في المجالس مع الآخرين..
سأل أحدهم جلال الدين الرومي «نراك تقرأ وتكتب كثيرا فماذا عرفت»؟ فقال: عرفت حدودي!، فلنعرف حدودنا في العلاقات والتدخل في حياة الناس حتى لا نسمع من الردود ما لا يعجبنا، ويقال إن الأعمش لبس مرة فرواً مقلوباً، فقال له قائل: يا أبا محمد لو لبستها وصوفها إلى داخل كان أدفأ لك. قال: كنت أشرت على الكبش بهذه المشورة، وكان هذا الرد المضحك على تدخله فيما لا يعنيه، كما أراد إبراهيم النخعي أن يماشي الأعمش فقال الأعمش: إن الناس إذا رأونا معاً قالوا: أعور وأعمش، قال النخعي: وما عليك أن نؤجر ويأثموا. فقال له الأعمش: وما عليك أن يسلموا ونسلم، ليدل على سمو نفسه حتى من ألسنة الناس حتى لا يأثموا من الاستهزاء بهم، فالخلاصة: لنطبق مقولة لا تحاول إقناع البقرة بأن الموز ألذ من العشب بل حاول إقناع نفسك بأنه لا دخل لك بما تحبه البقرة، واعرف حدودك وطبق ما ترضاه على نفسك في تعاملك مع الآخرين من تعليقات ونكات دون أن تزعل عند نفس المعاملة حتى لا تتحول من الثقلاء في كل مجلس وترى كل من حولك يتصدد عن مجالستك أو مرافقتك أو يأثموا عند ذكرك لأنهم لن يجدوا إلا الذم والحش في وصفك وأخلاقك.