د.بكري معتوق عساس
في مطلع الألفية الميلادية الثانية (2001م) كان نصيب قطاع التعليم العام، والتعليم العالي، والتدريب، من ميزانية المملكة (53) مليار ريال.
وفي عام 2019 -ورغم كل تداعيات انخفاض أسعار النفط- كان نصيب هذا القطاع من ميزانية الدولة (193) مليار ريال!!
إننا نتحدث عن زيادة تقارب بنحو 400 % خلال مدة تقارب ست عشرة سنة، وبنسبة تعادل 20 % من إجمالي الميزانية!
إنَّ المتتبع لهذه المسيرة المالية المتصاعدة بثبات يلحظ بوضوح أنَّ الذي يشغل هاجس القيادة السعودية إنما هو (الاستثمار في بناء الإنسان)، إنها تدرك أن (المواطن السعودي) هو الثروة الحقيقية الباقية، وليس النفط الذي قد ينضب يوماً ما. وهي تدرك أيضاً أنَّ بناء إنسان فاعل بطاقاته وقدراته قد يكون أشقّ من بناء مدينة من الحجر والأسمنت.
ولم تكن تلك الميزانيات الضخمة مجردَ أرقام على الورق، بل تحولتْ إلى منجزات تصبُّ في مصلحة بناء الإنسان السعودي وتأهيله لهذا العصر المعرفي الذي باتت المعلومة فيه ركيزةَ الحضارة.
إننا نعيش اليوم عصراً توارت فيه قوة السلاح لصالح قوة العلم، وتراجعتْ فيه كتائب العسكر أمام كتائب العلماء، وباتت الكلمة فيه لمن (يعرف) أكثر، لا لمن (يملك) أكثر. وها نحن نرى دولاً صغيرة الحجم، ضئيلة المساحة، تؤثر دولياً وعالمياً أضعاف ما تؤثر دول أخرى أوسع مساحةً، وأكثر سكاناً، والسبب (العلم) و(المعرفة) وحسن توظيفهما. فكيف إذا توجهت دولة بحجم المملكة اقتصاداً وإنساناً إلى تفعيل (اقتصاد المعرفة) والمزاحمة في عالم الريادة العلمية والابتكارية؟
من أجل ذلك سعى خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين - حفظهما الله - سعياً حثيثاً لتطوير اقتصاديات التربية والتعليم في تخطيط واستثمار رأس المال البشري السعودي، للنهوض باقتصاد المعرفة. وإزاء هذا الدعم والتوجيه والعناية والاهتمام كان لابد لشباب الوطن من موقف صدق يكافئ هذا الحنوَّ الأبوي، والتوجه الريادي، من لدن القيادة الرشيدة.
إن شباب المملكة وشاباتها يحظون في هذه الأيام بفرص هائلة، فالجامعات بالعشرات تفتح أبوابها، وبرامج الإبداع المعرفي تنتشر في مؤسسات الدولة، ووسائل الإعلام تقوم بدورها توعيةً وإبرازاً، وآلاف الفرص تطلُّ من هنا وهناك.
إنَّ المملكة اليوم ورشة عمل ضخمة تدور بلا كلل من أجل إنتاج جيل سعودي شاب يستلم الراية، ويواصل مسيرة بلده العظيم.
إنَّ ما نشاهده اليوم من بروز الكفاءات الوطنية الشابة في المحافل الدولية، ونبوغ طلابنا وطالباتنا في جامعات الشرق والغرب، هو دليل على أن العطاء بدأ يؤتي ثماره، وأن الاستثمار في (إنسان الوطن) لم يذهب هباءً.