محمد سليمان العنقري
ليس بجديد أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت قوة مؤثرة في كافة جوانب الحياة ومن البديهي أن ينظر لها بأنها باتت ركائز أساسية في حياة المجتمعات وسلاحاً غير تقليدي للقوة الناعة لتصبح ذات ثقل كبير في التأثير على ثقافات الشعوب ونشر المعلومات والتسويق وحتى في الشق السياسي تعد وسائل ذات تأثير واسع ومؤخراً أصبح لها دور أكبر عندما قررت أشهر مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك وسناب شات حجب حسابات الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب والعديد من مناصريه لدرجة أن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي ليندسي غراهام تساءل عن من يقف خلف هذه الوسائل ومن يديرها.
فما قامت به هذه الوسائل من حظر الرئيس ترمب زعيم أكبر وأقوى دولة بالعالم اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً يفتح الباب على سؤال كبير هل باتت هذه الوسائل وشركات التكنولوجيا ذات الوزن الكبير بهذا القطاع أقوى من الدول، فقد باتت هذه الوسائل أحد أهم الشركات التي تستقطب استثمارات في الأسواق المالية فقيمة فيسبوك تبلغ 715 مليار دولار أمريكي وإذا أضفنا لها تويتر وسناب شات فتبلغ قيمة هذه الشركات الثلاث حوالي 825 تريليون دولار وهي أرقام ضخمة تفوق الناتج الإجمالي لدول عديدة وبمعزل عن القيمة السوقية التي تتغير بفعل عوامل السوق لكن هذه الوسائل أصبحت دولا افتراضية فموقع فيسبوك عدد مستخدميه يقارب 2.5 مليار إنسان حول العالم أي 30 بالمائة من سكان الكرة الأرضية يقطنون في فيسبوك ومستخدمي تويتر النشطين يقارب 330 مليون عالمياً ينشرون قرابة 500 مليون تغريدة يومياً أي حوالي 350 ألف تغريدة في الدقيقة فهذا الكم الهائل من النشر بمختلف وسائل التواصل لابد وأنه أعطاها قوة تأثير واسعة اتضح مدى حجمها عندما أقدموا على حظر حسابات الرئيس ترمب في وقت واحد ولديهم حصانة قانونية عبر المادة 230 التي أقرت قبل 24 عاماً في أمريكا إذ تعفيهم من المساءلة عن محتوى ما ينشر على مواقعهم من حسابات المستخدمين.
فهذه القوة الضاربة التي أصبح ينظر لها بتخوف من قبل الكثير من السياسيين في العالم وفي أمريكا تحديداً لا يقتصر دورها الخطر على ما ظهر مؤخراً في اصطفافها السياسي ضد ترمب بل بحجم المعلومات الهائل عن مستخدميها وبما يقال عن مشاركتها بهذه المعلومات للمعلنين إذ باتت تمتلك هذه الوسائل قاعدة بيانات «سكان الأرض» وأصبح لديها القدرة على توجيه التسويق والتأثير فيه بنطاق واسع وشريكاً رئيسياً بقطاع التسويق عالمياً فأن تمتلك فيسبوك المالكة أيضا لتطبيق المراسلات الشهير واتس أب معلومات عن أكثر من ملياري مستخدم بالعالم تعرف أرقام هواتفهم وأيضا طبيعة مراسلاتهم وليس محتواها لدى كل مستخدم فهذا ما يسميه بعض القانونيين انتهاكاً للخصوصية واحتكاراً لمعلومات لا تقدر قيمتها بثمن وهو ما رفع من عوائدها وتداخلها في تفاصيل الأنشطة الاقتصادية بل وتفكر فيسبوك بإطلاق عملة رقمية اسمها ليبرا، أي أننا أمام مشهد جديد لا يعرف مدى تأثيره على قوة الدول وعملاتها واقتصادياتها ودور البنوك المركزية في صناعة السياسة النقدية مستقبلاً.
وسائل التواصل لم تعد منصات على شبكة الإنترنت بل هي دول افتراضية وأصبح تأثيرها يتعدى حدود النشر وسرعة نقل المعلومة أو تواصل المستخدمين ونقاشاتهم بمختلف القضايا بل باتت قوة تتعدى هذه الحدود لتنافس الدول في التأثير على مجريات الحياة العامة مما يستدعي تحركاً دولياً لضبطها وإعادة تنظيم معايير عملها وحوكمتها وإلا ستكون معول هدم للنظام الدولي والاستقرار العالمي.